نعم… مسافر زاده التيكتوك، لقد قرأت ياعزيزي العنوان بشكل صحيح !
فى الماضى كان زاد المسافر هو الصحبة والخيال والتأمل، حين كان يركب القطار أو السيارة أو الباخرة.
أو حتى يمتطى ظهور الخيول أوالإبل، إنه مسافر زاده الجمال والذاكرة والشجن.
فالسفر سواء أكان طويلاً أم قصيراً،كان فرصة للمشاهدة و للتأمل وإطلاق العنان للخيال، من خلال فرصة التأمل.
و من ثم يصل إلى وجهته وقد تغيرت حالته الذهنية، وإمتلئت روحه، وشحن وجدانه، بما راءه خلال الرحلة من نافذة العربة أو القطار أو قمرة السفينة.
هذا الخيال يتضح جلياً فى رائعة محمود حسن اسماعيل “النهر الخالد” التى لحنها و شدا بها الموسيقار محمد عبد الوهاب قبل 71 عاما من اليوم.
أما اليوم فالامر اختلف كثيرا، خلال رحلات السفر الأخيرة التى قمت بها شاهدت كيف يجلس كل مسافر بمفرده أوضمن مجموعة.
إقرأ أيضاً للكاتب : عفواً… في المعرفة “مالكش حجة”!
التيكتوك … إنعزال عن الجمال
يمسك بهاتفه الذكى، ويضع السماعات فى أذنيه، يشاهد مقاطع الفيديو السريعة Reels .
التى يجدها على كافة تطبيقات التواصل الإجتماعى، وخاصة التيكتوك الذى لا يتمتع بنفس القدر من الرقابة للمحتوى.
رأيته كيف يمر مفتش القطار فلا ينتبه أحد إلا بعد أن يربت المفتش على كتفه.
أو يلوح بيده فى المسافة بين عينى المسافر و شاشة الهاتف.
ورأيت كم الإمتعاض والإنعزال عن الواقع الذى يبديه المسافر، وهو مجبر على ترك التيكتوك لثوان معدودة ريثما يبرز تذكرة السفر للمفتش.
رأيت أيضا كم من المناظر الطبيعية للنيل والخضرة و البلدان والمحطات والبشر لا يراها المسافر ؛ نتيجة هذا الانشغال المستمر.
لاحظت أيضا اهتزاز المسافر نتيجة توقف مفاجئ، أو فرملة للسيارة أو القطار.
حيث يهتز بصورة كاريكاتورية أكثر من تلك الصادرة عن “شوال بطاطس” قابع فى عربة البضائع.
ولا يثنيه ذلك عن الاستمرار فى متابعة التيكتوك حتى بدون أن يكلف نفسه النظر لمن حوله، أو ما حوله، فأين الخيال وأين التأمل؟.
لا إجابة إلا أنهما توفيا أثر أزمة تكنولوجية بأسفيكسيا منصات التواصل الإجتماعى التى جعلت الإنسان يتفاعل بسرعة الإلكترون و يتحرك بسرعة الحلزون.
غير قادر على النظر بعيداً عن شاشة هاتفه، ليرى كم هى الحياة جميلة، كما كانت ولكن للاسف ليس كل عين ترى.