بقلم : د.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث وروائي مصري
في العدد 100 من مجلة المصور في 10 سبتمبر 1926 م وإعلان عن كتاب مذكرات فتوة للمعلم يوسف أبو الحجاج، وفي الطبعة الثانية من الكتاب عام 1927 م تضمن خمس صفحات دعائية لكتاب “مذكرات نشال” عن للمعلم عبد العزيز النص وإذا ” أردت أن تعلم ما تم لعبد العزيز النص من حوادث شيقة ومواقف مضحكة فما عليك إلا أن ترسل عدد ستة طوابع بوستة من فئة الخمس مليمات داخل خطاب معنون إلى لسان الشعب بمصر فيرسل لك نسخة كاملة من مذكرات نشال خالصة أجرة البريد “.
كانت مذكرات فتوة ومذكرات نشال وما تبعهما من مذكرات متشرد (مفقودة حتى الآن) من تحرير حسني يوسف صاحب ومحررجريدة لسان الشعب بمصر، والذي وصفه المؤرخ خير الدين الزركلي برائد مدرسة جديدة في الأدب المستند للواقع ..
طبعا مثل هذه الإثناءات لا تصلح أن تكون حجة لصالح الرجل الذي أضاف للأدب إن أسميناه تجاوزا أدبا كل ما هو غث وهابط .، ولن نكون متحاملين على الرجل فهكذا كانت تريندات زمنه، على هذا المنوال في إبراز الفتوات واللصوص والراقصات ونسج القصص الحقيقة والوهمية عنهم وعن معاركهم وإطلاق مسميات “العطرة” و”الجدع” و”ابن البلد” أحيانا على الفتوات والنشالين.
ويقف خلف هذا النوع من الأعمال الهابطة السعي نحوالربح التجاري ولو تأملنا تاريخ الإعلان عن كتاب “مذكرات نشال” ضمن صفحات مذكرات فتوة وهو عام 1927م بينما صدور الطبعة الأولى من مذكرات نشال كان عام 1930م أي فارق زمني ثلاث سنوات من السعي الدؤوب لجني الأرباح المسبقة عبر الطباعة حسب الطلب.
هيئة المعلم
بحسب مقدمة مذكرات نشال التي كتبها الناشر حسني يوسف نجد أن بداية معرفته بالمعلم عبد العزيز النص كانت حينما حضر الأخير إليه في اليوم التاسع من شهر مايو 1927 م في مكتبه بإدارة الروايات المصورة ( لاحظ نشاط الناشر الفعلي) وهو بحسب وصفه “رجل في الحلقة الخامسة من عمره طويل القامة ممتلىء الجسم حسن الطلعة وحط الشيب شعره الاسود الفاحم”..كانت هيئة المعلم تشبه الوجهاء أو الأعيان ..
بادر المعلم بالقول :- مش حضرتك اللي طبعت مذكرات فتوة للمعلم يوسف أبو حجاج ؟!.
-أيوه يا سعادة البيه.
-بقى أنا محسوبك واسمي عبد العزيز النص وبدي أنا راخر أعمل لي مذكرات زيه .
-بكل ممنونية أنا في الخدمة ..سعادتك مهندس ولا طبيب ؟!( بالمنطق هل سيأتي شخص متعلم ومثقف كطبيب أو مهندس لمحرر سوابقه في عالم الكتابة مذكرات فتوة!! ).
-لا دي ولا دي
-تاجر ؟
-ياريت ( لاحظ هنا التناقض أيضا لأننا سنكتشف بداخل المذكرات أن المعلم كان يمارس التجارة بالإضافة لصنعته في النشل ).
-أومال إيه ؟!
-محسوبك نشال .
طبعا يرحب الناشر بالكنزالذي آتاه ويبدأ في كتابة المذكرات التي لا تحمل أي قيمة أو نفع وتتلخص أن المعلم بدد أمواله عن أبيه (مثل المعلم أبو الحجاج ) ” فرتكت القرشين اللي تركهم لي أبويا مشيت ففي الكار ..وعملت قهوة المنتزه عند سيدنا الحسين مركز..بصيت لقيت في إيدي قرشين طيبين ” ففتح بماله الحرام “دكان أبهه في أول شارع محمد علي ..حلويات ولعب وحاجات ومحتاجات بقيت فشر محل ألف صنف”..لا ينسي المعلم النص أن يعرفنا بمعلمه الأول في عالم النشل “محمود دقدق ” ثم يبرز لنا تفوقه على أستاذه بقوله “علمني كاره ودرجني لحد ما بقيت أقوى منه ” ويطمئنا الناشر كما فعل مع المعلم أبو الحجاج من أن المعلم النص أكمل نص دينه وبنى بيت !!.
أشهر فتوة
الملاحظ هنا أن حسني يوسف كان ينتقي نوعيات من الفتوات والنشالين المجهولين ثم يطلق عليهم مسميات كأشهر فتوة أو أشهر نشال وهو مالا يتفق مع مكانتهم الحقيقية في أوساطهم ولو كانوا بمثل هذه المكانة فأين هم على صفحات الصحف والمجلات في ذلك الزمان .. كان بوسع الناشر أن يختار من هذه الأوساط أشهرها وقد كانت تفسح لهم الصفحات الطوال على الصحف والمجلات اللاهثة لجني المال وكانت أسمائهم تتصدر هذه الصفحات والسعي لهم لن يكبده أي مشقة لكن في ظني أن الناشراختار الطريق الأسهل ونسج من خياله الخصب هذه الشخصيات وحملها ما سمع وما قرأ من قصص كلها مشهورة وليس بها أي خبايا أو أسرار ..كل ما هنالك أنها تحتاج لرابط واختلاق شخصية محورية وعدة شخصيات مساندة تحت ستار مذكرات.. بالتأكيد طريقة ملفتة وبارعة وجديدة في جذب القراء للشراء ومما يعزز من وجهة نظري أن لغة مذكرات فتوة ومذكرات نشال تكاد تكون واحدة كذلك التشابه في الأحداث في أطوارها الأولى والمفترض أن المحرر كان مجرد مفرغ للأحاديث الشفوية بلغتها العامية على الورق كما هي وليس محققا للأحاديث وبالتالي فلغته منطقيا لن تتسلل إلى المحتوى بهذه الدرجة من التشابه ..
عدد الطبعات من الكتابين وتواريخها غير محدد بدقة وأعتقد أن عملية الطباعة والإضافات والحذف بين الطبعات كان عشوائي جدا فمثلا مذكرات فتوة الطبعة الأولى 1926 والثانية 1927 ثم طبعة مجمعة 1929 وأظن الأكمل كان عام 1931 دون تحديد لرقم الطبعة .
بسلام تام !
الملاحظة الأخيرة :هي المسؤولية القانونية عما أتى بهذه المذكرات من أسماء ووقائع مفترض أنها حقيقية ..فهل لم يكن للمعلمين إن صحت أسمائهما وكانا بهذه الشهرة المزعومة أعداء يشككون أو يعقبون أو يعترضون على بعض الوقائع أو الزج باسمائهم بها فتفسح لهم صفحات الجرائد للرد أو يذهبون للمحاكم طلبا للتعويض ..المنطق يفترض ذلك ..لكن الواقع في ظني أن هؤلاء المعلمين لا وجود لهما من الأساس لذلك مرت المذكرات بسلام تام !.
![](https://azwaaq.com/system/storage/app/public/news/img/1695124784-WhatsApp%20Image%202023-07-16%20at%2002.44.00.jpg)
كتاب “مذكرات نشال” للمعلم عبد العزيز النص (مصدر الصورة كاتب المقال)