كتاب الذين لم يولدوا بعد: حين نفهم الآخر.. لا نُجرح بسهولة

بقلم : شحاته زكريا

Facebook
Twitter
LinkedIn

من بين آلاف الكتب التي تمر بنا في زحام الحياة هناك كتب قليلة لا تُقرأ بعين العقل فقط ، بل تُقرأ بالقلب. وكتاب “الذين لم يولدوا بعد” لأنيس منصور هو واحد من هذه الكتب.

كتاب “الذين لم يولدوا بعد” من الكتب لا تُغلق إلا وقد تركت شيئا منك فيها، وأخذت شيئا منها معك.

إنه ليس رواية ولا مذكرات ولا فلسفة جافة، بل هو عزف منفرد على وتر الإنسان.

مزيج من التأملات العميقة والأسئلة الوجودية يكتبها أنيس منصور، كما لو كان يُنصت إلى نبض الكون.

ثم يعيد ترجمته إلينا بلغة لا تشبه إلا أنيس منصور: رقيقة، ساخرة، باكية، وحادة في آن معا.

في هذا الكتاب الذي أتناوله اليوم في أذواق لا يحدثنا أنيس منصور عن أشخاص حقيقيين بقدر ما يحدثنا عن أشباهنا عن تلك النسخ الصغيرة التي نحملها داخلنا.

و عن الكائنات التي لم تولد لكنها تحوم حولنا، تتأملنا، تراقب قراراتنا، وتضحك من حماقاتنا.

إقرأ أيضاً للكاتب : من وحي كتاب “إنجح من أجل نفسك”:ما هي أسرارالنجاح ؟

كتاب “الذين لم يولدوا بعد” .. حين نفهم الآخر

عنوان الكتاب وحده استفزازي بالمعنى الجميل: من هم الذين لم يولدوا بعد؟ هل يقصد أبناءنا؟ أم أحلامنا المؤجلة؟.

وهل تراه يقصد أنفسنا الحقيقية التي نكتمها طوال الوقت؟ أم هم نحن في نسخة لم نكن شجعانا بما يكفي لنكونها؟ يمضي أنيس منصور في سرد خواطره وكأنه يتحاور مع صديق غير مرئي.

حديث هادئ وعميق لا يصرخ ولا يَصدر عن رغبة في الإقناع،  بل يُطلق العبارات ويتركها تُحدث صداها في أعماقنا.

يقول مثلاً: إن أكثر الناس جرحا هم أولئك الذين لم يُفهموا كما يجب،  لم يكن العيب فيهم بل في قلوب أُغلقها أصحابها قبل أن تُنصت.

عبارة بسيطة.. ولكنها كافية لتفتح أبوابا كثيرة داخلنا. كم من مرة أسأنا فهم من نحب، فقط لأننا نظرنا إليهم بعيوننا لا بقلوبهم؟.

ولكم  تألمنا لأننا ظننا أن الآخر يقصد إيذاءنا بينما هو لم يكن يعرف كيف يُعبر؟.

دعنا نتساءل أيضاً  كم من مرّة صرخنا في وجه الصمت وكان الصمت أصدق مما قُلنا؟.

كتاب “الذين لم يولدوا بعد” .. الشجن و الحنين

في كل صفحة تجد نفسك تتوقف تبتسم أحيانا وقد تدمع عيناك أحيانا أخرى لأنك تتذكر شخصا بعينه.. صديقا، أما، أبا، أو ربما نفسك القديمة التي هجرتها ذات خيبة.

أنيس منصور لا يكتب ليخبرك بالحقيقة بل ليوقظها داخلك، كأن كلماته مرايا تُريك ما خفي عنك في زحام الأيام.

إنه لا يخبرك أن تُسامح لكنه يجعلك تدرك أن عدم الفهم أصل أغلب الجراح.

ولا يقول لك كن أحنّ لكنه يُريك كيف أن القسوة غالبا هي غطاء للخوف.

أبداً  يلقّنك دروسا لكنه يجعلك تتأمل والتأمل هو أعظم درس، وما يميز هذا الكتاب أنه لا يحاول حلّ الألغاز الوجودية الكبرى بل يطرحها ببساطة محيّرة.

يتحدث عن الموت وكأنه صديق قديم وعن الحياة كأنها أنثى متمردة، وعن الحُبّ كأنه وطن مؤقت.

وربما هذا ما يجعل الكتاب خالدا في النفوس: أنه لا يدّعي الإجابة بل يُجيد طرح السؤال.

من بين العبارات التي تأخذك بعيدًا قوله: نحن لا نُجرح من الكلمات ، بل من النوايا المختبئة خلفها.

زاوية خفية في العلاقات الإنسانية

هنا تحديدا يُضيء أنيس منصور زاوية خفية في العلاقات الإنسانية.

كم من الكلمات قيلت بحسن نية ففُهمت بسوء؟ وكم من الأفعال بدت قاسية لكنها كانت محاولة يائسة للتعبير؟ عندما نفهم الآخر عندما نرى العالم من نافذته، لا نُصاب بخيبة بل بنوع من الرأفة، ويغدو الجُرح أخف، لأننا لم نعد نأخذ كل شيء على محمل الجراح.

ربما لم يكن أنيس منصور يقصد أن يكتب كتابا فلسفيا ولكنه كتب أكثر الكتب الفلسفية رقة ودفئا.

ليست الفلسفة التي تُناقش مفهوم الوجود في قاعات جامدة، بل تلك التي تُولد في الشرفة وقت الغروب، في المقهى وقت الوحدة.

أو ربما على وسادة بلّلها السؤال قبل النوم.

إقرأ أيضاً للكاتب :http://عن الحب والوهم

كتاب “الذين لم يولدوا بعد” : اكتشف النسخ النقية

“الذين لم يولدوا بعد” ليسوا فقط الذين لم تأتِ أقدارهم بل هم أيضا تلك النسخ النقية منا التي طمرناها تحت ركام التجارب .

هم نحن قبل أن نُخدش ونخدش، وهم الأحلام التي لم نملك جرأة السير نحوها، هم ما كان يمكن أن نكونه لو فهمنا الآخر كما يجب.

ولو فهمنا أنفسنا أولا. في زمن تُضخ فيه الكتب كما تُضخ الإعلانات يبقى كتاب أنيس منصور تجربة متفردة، تخرج منه وقد أصبحت أكثر إنسانية.

ليس لأنه يغيّرك بل لأنه يُعيدك إلى ذاتك،  وإذا كنا نبحث في هذه الحياة عن ملجأ عن وطن داخلي فإن الكتب مثل هذا ليست مجرد كلمات.. بل أبواب تُفتح على أرواحنا.

وإن سألتني: ما الذي يجعلنا لا نُجرح بسهولة؟ فسأجيب: أن نفهم الآخر كما هو لا كما نظنه.

فحين نقرأه ككتاب مفتوح لا نحكم عليه من الغلاف، إنما نمنحه فرصة كما تمنينا أن يُمنح لنا. وأن نُدرك في النهاية أن كلنا بدرجات متفاوتة، من الذين لم يولدوا بعد!.

الكلمات المفتاحية :

اترك تعليقاً

“أذواق”… لكل الأذواق الباحثة عن الجمال والرقي والبساطة في مختلف تفاصيل الحياة، وهي جسرك الناعم إلى السعادة والحب والأحلام والأناقة والنجاح، وعبر ما تقدمه لك من أخبار وموضوعات ومقالات ومواد بصرية متنوعة تمثل لك رافداً متفرداً يزودك بكل ما هو جديد في الفنون والثقافة والموضة و الجمال و الأمومة والعمارة والصحة والطهي، و…كل ما يتعلق بشغفك اليومي

النشرة الاخبارية

Exit mobile version