تستوقفني دائما بعض العادات والتقاليد التي كانت سائدة في بعض المجتمعات القديمة، والتي كان يقدم الكهنة فيها على تقديم قرابين من البشر للطبيعة من أجل الحصول على الرزق والأمان، وأفكر كثيرا في الخطوات التي سبقت وصولهم إلى هذا المعتقد، وكيف تكون وكيف سيطر على تفكيرهم بحيث صار معتقدا راسخا وطقسا من الطقوس المهمة التي يحرصون على أدائها بصرف النظر عن الخسائر في الأرواح والتي تصاحب دائما مثل هذه الطقوس ؟!.
وأكاد أجزم بأن أخطاء التفكير والخطأ في الربط بين ما هو متخيل، وبين ما هو واقع هو السبب الرئيس في مثل هذه الحالات، وعلى كل فإن الأمر لم يكن ليتغيرإطلاقا لو لم تقدم هذه القرابين، وأيضا لم تكن الظواهر الطبيعية لتتوقف نتيجة تقديم هذه القرابين، ومع ذلك لم تنتبه تلك العقول المغيبة لهذه الحقيقة.
ويقودنا التفكير في مثل هذه الأمور إلى إدراك أن التقدم والحضارة يبنيان على نمط راق من التفكير يتسم من ناحية بالإبداع ومن ناحية أخرى يتسم بالإيجابية، ويحكمه في كل ذلك قواعد المنطق والتفكير النقدي، ويبني هذا النمط من التفكير على معايير الجدة والمرونة والطلاقة من الناحية الإبداعية.
قد يهمك أيضا : الأسرة والتربية الأخلاقية (azwaaq.com)
ومن ناحية التفكير الإيجابي يبنى على عدة عوامل أخرى تشمل الضبط الانفعالي والسيطرة على الانفعالات إلى جانب التمتع بقدر كاف من الذكاء الوجداني، بالإضافة إلى تقبل المسؤولية الاجتماعية والتوقعات الإيجابية والتفاؤل .
ومن ناحية التفكير النقدي فلابد من توافر القدرة على التحليل، والقدرة على إجراء الاستنتاجات، واكتشاف العلاقات، وتعقب الأسباب وتوقع النتائج وإجراء التقييمات، وإصدار الأحكام وإتخاذ القرارات، بينما التفكير السلبي والذي يبنى عادة على التشاؤم والحديث السلبي والقفز إلى الاستنتاجات والمبالغة في التعميم بدون ضوابط والتهويل أوالتهوين والتفكير الانفعالي أو الشخصنة والتمركز حول الذات، فإنه يقودنا عادة إلى حيث لا يمكننا أن نتقدم أو نبني مجتمعا أو نصنع حضارة.
ولذلك فإن الحاجة داعية الآن إلى مراجعة أنماط وطرق التفكير التي تعززها أنظمتنا التعليمية ووسائل الإعلام لدينا ووضع ما يلزم من خطط وبرامج تعليمية وإعلامية متسقة ومتوافقة جميعها على أبعاد وأنماط معينة من التفكير، تسعى لتنميتها من أجل بناء العقول التي يمكنها أن تصنع حقا المعجزات، وأن تقدم للمجتمع المزيد والمزيد من الإنجازات .
كما أن التصدي لأخطاء التفكير وأبعاد التفكير السلبي يعد من واجبا قوميا في ظل إيماننا بأهمية التفكير والنشاط العقلي في صنع الحضارة، ووضع أسس التقدم والنمو للمجتمع، وعليه فإن برامجنا التعليمية يجب أن تفرد لتنمية مهارات التفكير قدرا أكبر من الاهتمام ومساحة أكبر في المناهج المطورة .
قد يهمك أيضا : رمضان .. صيانة تربوية (azwaaq.com)
وذلك لأنه وكما أشرنا في العنوان” ـ ” عقول تصنع المعجزات وأخرى تصنع المشكلات !” ـ فإذا كانت العقول التي تمتلك مهارات التفكير النقدي والإبداعي والإيجابي تصنع المعجزات ،فإن العقول التي تفكر تفكيرا سلبيا وتقع في الكثير من أخطاء التفكير هي عقول بلا شك تصنع المشكلات لنفسها وللمجتمع بأسره؛ لذلك لابد من الإسراع في تقويمها ووضعها على الطريق الصحيح لتكون ترسا جديدا صالحا في مسيرة التنمية وليست عبئاً.