يعيدنا كتاب”هوامش على دفتر أحوال مصر” للباحث والروائي المصري الدكتور محمد فتحي عبد العال عبر آلة الزمان معا إلى الماضي، ويأخذنا لنفتش في أرشيف الصحافة المصرية .. ذلك الكنز الثمين الذي قلما يلتفت إليه أحد؛ لنفهم قضايانا وقضايا من رحلوا بشكل أكثرملامسة لواقع الناس وأحلامهم .
يقول الكاتب في مقدمة الكتاب:” يُعد التاريخ المصري تاريخا ممتدا وحاشدا وثريا، وقد أخذ قسطا وافرا من اهتمام الباحثين للتنقيب فيه وإظهاره والحكم عليه لكن لايزال هناك تاريخ معاصر قريب العهد من زماننا لم يقربه أحد، بعد بالبحث والتنقيب والدراسة”.
.jpg)
مصدر الصورة المؤلف
ويرى أن التاريخ المصري في حاجة إلى عقول واعية واقلام تعمل على تجميعه وترتيبه وتبويبه ليغدو محلا للدراسة والاستفادة منه للأجيال الحالية والقادمة التي تجهل الكثير من خفاياه وعظاته ودروسه.
يقول عبد العال:”في هذا الكتاب سوف أخط لك تاريخا جم أبطاله من العوام والبسطاء والمجهولين من واقع أرشيف الصحافة المصرية الممتد، ستجد جدي وجدك وقريب لي وقريب لك، وستجد هؤلاء الذين مروا بهذه الأرض وزرعوا ولو بذرة صغيرة في أرض قاحلة، ولم يحفظ لهم التاريخ ذكرا أو بعض من أثر مع غياب التكريم والحفاوة لجميل صنيعهم”.
.jpg)
مصدر الصورة : المؤلف
ومن القضايا الطريفة التي يتضمنها الكتاب من أرشيف الصحافة المصرية في مائة عام هي :
قد يهمك أيضا : حكاية” الدكتور علي” في مستشفى “المجاذيب” (azwaaq.com)
1-القضية الأولى من كتاب “هوامش على دفتر أحوال مصر”
ما نشرته المقطم عام 1942 عن وفاة الشيخ عبد الحافظ البرعي، من أهل شبرا، والمدرس الأهلي في فوه، فجأة وكان يسكن في غرفته وعقب وفاته عثر في مسكنه على تركة كبيرة، كان يخزنها وتقدر بخمسة آلاف جنيه منها 300 جنيه ذهب و 17 بنتو ذهب(تعادل اللیرة الفرنسیة التي تساوي 20 فرنكا ذهبیا) و20 قطعة ذهب كبيرة و267 جنيه نقود فضة و 122 جنيه ورق بنكنوت و90 جنيه “قروش”(يقصد فكة) وهو مبلغ ضخم في ذلك الوقت.
وكان هذا المدرس يعمل في “مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية” بفوه، وفصل من عمله، وألغيت المدرسة بعد ذلك وواصل عمله في إعطاء دروس خصوصية، وهوأعزب لم يتزوج وكان معروفا بأنه من الفقراء، وكان الناس يعطفون عليه، وقد أودعت هذه النقود “بنك مصر” على ذمة إخوانه وأولاد أخيه .
القضية الثانية من كتاب “هوامش على دفتر أحوال مصر”
اشتملت مجلة “الدنيا المصورة” عام 1929م على حادثة طريفة خلاصتها أن (ع.د) شاب مصري يعمل مدرسا بمدرسة المعلمين الأولية بسوهاج، وقد استهوته الحياة الإنجليزية، فراح يتتبع أخبارها .. عدم وفاقه مع زوجته القبطية دفعه للسعي في طلاقها.
ونظرا لتعقد الإجراءات وفصله من عمله نتيجة لمتابعته إجراءات التقاضي في القاهرة؛ مما دفعه لاعتناق الإسلام في سبيل الإسراع في الطلاق، وتسمى (ع.ف) وانتقل للإقامة بالقاهرة مع والده ووالدته وإخوته في منزلهم بعطفة البتانوني في عابدين .
شغف (ع) بمطالعة مجلة عالم المعلمين الإنجليزية أوقعه في شباك الحب حيث أعجب بإحدى كاتبات المجلة وكانت معلمة إنجليزية من مانشستر تدعى المس (ف.ب) عمرها 31 عاما وتخصصها أدب إنجليزي، فأرسل إعجابه بكتاباتها ثم تطور الأمر إلى تبادل الصور والمواعدة؛ للقاء بمصر؛ حيث حضرت المعلمة في إجازتها لمصر .
كان المعلم قد فقد عمله، وبالتالي ما من سبيل لاستضافة فتاته إلا بمنزل أسرته ..بعد فترة قصيرة شق على الفتاةالمعيشة في مصر، وبدأت تسوء صحتها ، وأصيبت بالحمى فمنع عنها الطعام إلا اللبن بأمرالطبيب (غريب هذا الإجراء) .
قد يهمك أيضا : أم كلثوم ماذا كانت تفعل في استراحة حفلاتها ؟ (azwaaq.com)
وبدأت تطاردها الوساوس وأن خطيبها المصري يحاول قتلها بالسم تارة أو يجلب لغرفتها سباع مفترسة ،ويطلقها عليها ..وفي فجر إحدى الأيام صممت الفتاة على الخروج رغما عن خطيبها الذي حاول إثنائها دون جدوى فحملتها قدماها لقسم عابدين، وهناك اتهمت خطيبها المصري بسوء المعاملة وإرهاقها بالعذاب، ومنع الطعام عنها ودس السم لها وأنها في دور الاختصار.
وتم إخطار قنصلية إنجلترا والمحافظة والنيابة العمومية والقسم الأوروبي بفرقة ب، وتم نقل الفتاة إلى مستشفى الأنجلو أميركان بالجزيرة بعد إصابتها بالحمى، وقد خارت قواها فيما تم التحقيق مع الخطيب المصري الذي فند الاتهامات.
وبعد فحص الفتاة تبين أنها ليست مصابة بأي عرض من أعراض التسمم. لم تحدد المجلة على وجه الدقة مرض الفتاة لكن أعراض مثل الحمى والإغماء مع تجنب الطعام والشراب والاكتفاء بالحليب؛ فقد يكون مرض الفتاة نابعا من تغيير البيئة، وربما إصابتها بالالتهاب المعوي المعدي مع الطعام والشراب الملوث بالبكتيريا والطفيليات في البيئة المصرية المتوسطة الحال والفقيرة.
ولا أفهم وجهة النظر الطبية التي استند لها الشاب ورددتها المجلة دون فحص وتمحيص في منح الحليب فقط وهو الخيار غير المفضل أحيانا مع ارتفاع درجات الحرارة والإسهال والقيء والعلاج المناسب هو التدرج في تناول الأطعمة الخفيفة سهلة الهضم، مع بعض السوائل المعوضة، وهي حقائق طبية بسيطة وثابتة لا تختلف من زمن لآخر .
يقول المؤلف:”الطريف أن المجلة أجرت حوارا مع الخطيب المصري أبدى فيه ترقبه لشفاء خطيبته والاقتران بها وقضاء شهر العسل في مكان بعيد خارج القاهرة..فهل هذا حدث؟!..أشك ولكن الله أعلم.!!!. “.
.jpg)
الدكتور .محمد فتحي عبد العال (أذواق)
القضية الثالثة من كتاب “هوامش على دفتر أحوال مصر”
نشرت مجلة “آخر ساعة” في فبراير 1946 م أن أحد أعيان الريف كان له 37 قرشا لدى بنك التسليف نفقات نقل قمح أرسله إلى مخازن البنك في عاصمة المركز الذي يبعد عن قريته ثلاثة كيلومترات فطالب البنك بها ..
وكأنها “حسبة برما” غرق فيها البنك، حينما أراد أن يتيقن من أن المسافة بين القرية ومقر البنك ثلاثة كيلومترات حقا حتى يتأكد من صحة المبلغ مقارنة بالمسافة !! .
فأحيل الطلب إلى مأمور المركز لتحديد المسافة والتكرم بالإفادة ومن المأمورمر الطلب بدورة كاملة كالتالي : “معاون البوليس- معاون الإدارة-كاتب الغفر-البلوكامين-المطافىء-مهندس الري-الخبير الزراعي-طبيب الصحة-الصراف-محضر المحكمة”.
لم يجد محضر المحكمة وقد استقر لديه الطلب من يلقيه عليه وبعد قدح زناد فكره فتح الله عليه بعد شرب الشاي باللبن وأعاد الطلب للصراف بأنه ليس من اختصاصه فعادت الدورة مرة أخرى بين الأطراف جميعها سابقى الذكر حتى عاد الطلب إلى محطته الأولى ببنك التسليف مشفوعا بعدم الاختصاص !!
طبعا هذه المخاطبات استغرقت سنه حتى يأس الرجل من أن يحصل على ماله من البنك، وتسخر المجلة من القضية برمتها فتعلق بأن قياس مسافة كان تحديدها يستغرق ثانية على الخريطة أو دقيقة من ناظر المحطة “لو هرش رأسه ثلاث مرات”، تستدعي عاما من عمر الوطن بلغ فيه عدد المرافعات 22 ومات في القطر المصري 259 ألف شخص وولد 714 ألف مولود !!..
القضية الرابعة من كتاب “هوامش على دفتر أحوال مصر”
.jpg)
كتاب “هوامش على دفتر أحوال مصر” (مصدر الصورة : المؤلف)
قضية الحجر على الشاب عبد الحميد بك الشواربي البالغ من العمر واحد وعشرين سنة وتخصيص مبلغ ألف جنيه فقط نفقة شهرية وهو ابن الشواربي باشا من كبار أثرياء القطر المصري، لكن الابن الوريث نشأ لاهيا فلم يستكمل دراسته مع رسوبه المتكرروالتف حوله قرناء السوء فزينوا له التبذيروالإسراف الشديد وبحسب المذكرة التي رفعها للمجلس الحسبي العالي حامد باشا الشواربي الذي كان قيما على عبد الحميد قبل بلوغه سن الرشد ثم عاد قيما عليه مرة أخرى بقرارالمجلس مع فؤاد بك سلطان كمشرف فقد أنفق عبد الحميد بك الشواربي 61675 جنيها و915 مليما في الفترة من إبريل إلى سبتمبر 1927 م أي في غضون ستة أشهر فقط وجاء في المذكرة بحسب ما أوردته مجلة “مصر الحديثة المصورة” عام 1927م أن هذا المبلغ الهائل في هذه المدة القصيرة للغاية تضمن 21050 جنيها أثمان مجوهرات لزوجته (بيتريس زكرمان) وعدد من الراقصات والممثلات فضلا عن 17247 جنيها ثمن سيارات في سنة واحدة !!.