التيك توك !… في زمن السرعة والضوضاء الرقمية لم يعد السؤال: ما المحتوى الذي نشاهده؟، بل أصبح: من يربّي من؟ ومن يوجّه من؟.
وتزداد أهمية مناقشة هذه القضية مع صعود منصات مثل “تيك توك”.
و التي تحوّلت من مجرد تطبيق للترفيه إلى ثقافة موازية، هي ثقافة تتسلل إلى الوعي الجمعي للأجيال.
وتعيد تشكيل القيم، إنها كذلك تختصر العالم في ثلاثين ثانية من الإنبهار أو الإنهيار؛ ولذلك أهتم اليوم بمناقشة هذه القضية في أذواق.
التيك توك ينافس الأسرة والمدرسة !
إن التيك توك لم يعد مجرّد منصة، بل أصبح مربّيًا مؤثرًا؛ ذلك أن التيك توك يُنافس المدرسة.
بل أنه منصة تتجاوز دور الأسرة، وهي تقتحم خصوصية العقول دون استئذان.
التيك توك يُعيد تعريف الجمال، كما أنه يصنع رموزا وهميين من اللاشيء.
وهو يقلب المعايير حتى تختلط السخرية بالحكمة، و تمتزج التفاهة بالمصداقية، أيضاً الرقص بالرسالة!.
السؤال الذي يجب أن نطرحه اليوم بجدية: هل ما نشاهده يُربّينا؟ أم نحن من نُربّي أنفسنا وسط هذا الطوفان؟.
طفل في التاسعة يتعلم “الترند” ولا يعرف سورة الفاتحة، وفتاة في الرابعة عشرة تحفظ خطوات الرقص، ولكنها لاتحفظ أسماء الصحابة.
شاب يطلب من الحياة فيما بعد اللايك والشير، وهو يقيس قيمته بعدد المتابعين، لا بما يحمله المحتوى من وعي أو مبدأ .
لسنا ضد التطور. ولسنا أعداء التكنولوجيا، والفنون،.
لكننا ببساطة نُحذّر من فراغٍ معرفيّ عميق يُملأ بسرعة بمنظومات سطحية وخادعة وموجّهة.
فالمسألة لم تعد ما يظهر على الشاشة، بل ما يختبئ خلفه من رسائل ناعمة تارة، وسُموم فكرية واجتماعية تارة أخرى.
التيك توك يرتب أولويات الظهور
تيك توك لا يُقدّم فقط المحتوى بل يرتّب أولويات الظهور، وفق خوارزميات تقيس الشعبية بالصخب والانتشار بالغرابة.
كذلك يحكم على التفاعل بمدى الخروج عن المألوف، وما لم تكن لدينا مناعة فكرية وثقافية سنجد أنفسنا، دون أن نشعر نقيس الحياة بمقاييس غير واقعية، بل نُعيد بناء أجيال تنظر للعالم من شاشة صغيرة.
فنحن أمام أجيال تبني وعيها من فيديوهات قصيرة، وتبحث عن الحقيقة في تعليقات المجهولين.
الخطورة الأكبر ليست فقط في التيك توك بل في الفراغ الذي يملؤه.
حين تغيب المدرسة المؤثرة، وتضعف الأسرة المربية، وتغيب القدوة وتتشوش الرسالة الإعلامية.
ويصبح أي تطبيق رقمي هو القائد والمُعلّم والمُشكّل الأول للوعي.
ولنكن صرحاء… نحن لسنا فقط في معركة مع محتوى عابر، بل في مواجهة ثقافة كاملة.
إقرأ أيضاً للكاتب : مفارقات الحياة .. حين تصبح البساطة معقدة !
ثقافة التيك توك
إنها ثقافة التيك توك التي تُروّج لسطحية العيش وسرعة النجاح والفراغ من المعنى.
وهي ثقافة تجعل الإنسان يلهث وراء الإعجاب السريع، ويبحث عن الذات في مرآة الآخرين.
كما أنه بسبب هذه الثقافة يُصاب المرء بالاكتئاب إذا لم يحصل على الاهتمام الذي اعتاده افتراضيا.
لكن وسط هذا المشهد المُربك هناك بارقة أمل؛ فكما تنتشر التفاهة يمكن أن ينتشر الوعي.
وكما يصنع التيك توك رموزا من ورق، أيضاً يمكن أن يصنع تيارات واعية تُقدّم مضمونا راقيا .
وتُحدث فرقا حقيقيا؛ فالأمرليس في الأداة بل في كيفية استخدامها.
فالسكين تُعدّ بها الطعام أو تُزهق بها الأرواح… والفارق هو اليد التي تُمسكها والعقل الذي يُوجّهها.
لهذا نحن بحاجة اليوم إلى ما هو أكثر من رقابة، في الواقع نحن بحاجة إلى حوار عميق مع الأجيال.
وإلى نموذج يُعيد ترتيب القيم.
ويُقدّم البدائل لا بالشجب ولا بالمنع، بل بالتأثير المضاد، والصوت الإيجابي، والمحتوى الذكي، والقدوة الحقيقية.
إقرأ أيضاً للكاتب : الصداقة .. الحصن الذي يواجه رياح الحياة
المعادلة واضحة
التيك توك و”أمثاله” باقون. وسيتطورون. وسيمتدّ تأثيرهم.
لكن السؤال الأهم: هل نكتفي بالمشاهدة؟ أم نبدأ بإعادة بناء المنظومة؟ هل نواصل الانتقاد من بعيد؟ أم أننا سنقرر أن نكون جزءًا من الحل؟ .
إذن المعادلة واضحة: إما أن نُربّي وعي أبنائنا… أو يُربّيهم “الترند”.