كتبت : ندى علي
أسباب تربع أم كلثوم على عرش الغناء العربي، وأسرار استمرارها في حصد حب وإعجاب المستمعين في مختلف أنحاء الوطن العربي ربما يكون لغزاً بالنسبة للكثيرين، خاصة في ظل مايؤكده بعض النقاد والموسيقيين من أنه سبقتها وعاصرتها أصوات بنفس القوة والتميز، وربما فاقتها بعض الأصوات روعة، لكن لم تستطع مطربة واحدة الوصول إلى مكانة “الست”.
و بمناسبة مرور 50 عاماً على رحيل أم كلثوم تتناول أذواق رأي المفكر المصري عباس محمود العقاد حول أسباب تفرد كوكب الشرق، ونجاحها غير المسبوق، من خلال مقال نادر له نُشر في مجلة المصور في الأربعينات من القرن الماضي، فضلاً عن حديث العقاد عن كوكب الشرق في أكثر من مناسبة.
ماذا قال العقاد عن أم كلثوم؟ وكيف وصفها؟ وماحكاية الكتاب الذي كان سيحمل إسمها وهل صدر؟ وهل صحيح أنه كان سيطلق عليه عبقرية أم كلثوم ثم تراجع بسبب رفضها لهذا العنوان ؟… كل ذلك سنعرفه خلال السطور القادمة :
أم كلثوم .. الفتاة البدوية
كتب المفكرعباس محمود العقاد في أواخر الأربعينات مقالاً عن كوكب الشرق أم كلثوم، يقول فيه:” سمعت جميع المطربين والمطربات الذين اشتهروا في مصر منذ عرفت السماع، وهداني إليها فيما أذكر الفقيد الفنان الشاعر محمد تيمور بك رحمه الله، لقيته بجوار دار البريد، فقال لي هل سمعت الفتاة البدوية، فقلت من هذه الفتاة البدوية قال إنها تسمى أم كلثوم، قلت أهي بدوية حقاً، قال ستعرف إذا رأيتها وسمعتها”.
أول لقاء في حديقة الأزبكية
ويتابع العقاد في مقاله “أحسب إني سمعتها أول مرة في حديقة الأزبكية في صحبة من الأدباء، رأيت أم كلثوم في الكوفية والعقال؛ ففهمت لماذا سماها محمد تيمور بالفتاة البدوية، وسمعتها تغني الشعر والأدوار فما ششكت للحظة إنها ستتفرد بعرش الغناء في هذا الزمان” إذن توقع العقاد عندما شاهدها لأول مرة بما تحقق بالفعل وهي تربعها على عرش الغناء العربي”.
ويواصل “سمعتها بعد ذلك في عرس، وفي مسرح البسفور، وفي رأس البر، فحرصت على متابعة أغانيها ولكن في غير الأماكن العامة؛ لأنني لا أحب النشوز الذي يصاحب الأغاني في في تلك الأماكن، واقتسبت الإسطوانات التي سجلتها، وعرف أصحابي أن خير تحية موسيقية عربية أسمعها إياها في بيتي هي إسطوانة لأم كلثوم، أو إسطوانة لسيد درويش “.
أم كلثوم .. تفهم ما تعنيه وتشعر بما تغنيه
إن مزية أم كلثوم بعد كل كاسمعت من أغانيها هي أنها المطربة الموهوبة التي أثبتت أن الغناء في الرؤوس و القلوب، وليس في الحناجر والأفواه فقط، فهى تفهم ما تعنيه وتشعر بما تغنيه، وتعطيه من عندها نصيبا ًراقياً إلى جانب نصيب المؤلف والملحن؛ فيقول السامع بحق أنه يسمع أم كلثوم “.
ويتابع العقاد في مقاله” لا أطيل في بيان الأمثلة فإن المثل الأخير تكرارلمئات الأمثلة التي تدل على هذا الفهم وهذا الشعور، وهذا التصرف الذي يزيد به المغني على عمل التأليف و عمل التلحين” .العقاد يوضح معنى إسم كلثوم
ومن طرائف التحيات التي سمعناها ليلة الاحتفاء بمقدم الفنانة المحبوبة زجل للأديب الشعبي المعروف بديع خيري قال فيه “من هو كلثوم دا ؟”، ومن حق الأديب، ومن حق الفنانة ومن حق المعجبين أن نساهم في تفريج هذه الحيرة وإجابة السؤال؛ فلايحار بعد الآن أحداً في هذا الكلثوم الجدير بكل سؤال .
ومعاني الكلثوم في العربية متعددة، ومنها الحرير الذي يوضع على رأس العلم ام كلثوم؛ إذن هي (راية متوجة بالحرير) مازالت تحلق في ظل التحية و النعيم”.
عندما خاطب أم كلثوم في قصيدته

يقول الأديب عباس محمود العقاد في قصيدة له بعنوان “في الفن أنبياء” مخاطباً أم كلثوم:
أم كلثوم يا بشيراً من الله بالرجاء
أنت من وحيه ولله في الفن أنبياء
ذلك الصوت صوتك العذب من عرشه نداء
فيه سرّ من جنة الخلد لكنه ضياء
فيه للمرتجى سلام وللمشتكي عزاء
أيها الكوكب الذي أسعد الأرض باللقاء.
ردد الطرف في الفضاء وما أرحب الفضاء
وأسأليه سؤال من يسأل الطير في الهواء
هل سري فيه مثل صوتك في الحسن والنقاء
في قديم الزمان أعني وفي حاضر سواء؟
كتاب العقاد عن كوكب الشرق
في كتابه “5 شارع أبو الفدا” تحدث فكري صالح مؤلف عن علاقة المفكر عباس محمود العقاد بأم كلثوم، وفي الذكرى الخمسين لرحيل لكوكب الشرق نستعيد جوانب منه، فقال فيه صالح:” كان والدي يصطحبني معه، وأنا صغير في أوائل الستينيات، لندوات عملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد التي كانت تعقد بعد الظهر من كل يوم جمعة في منزله في مصر الجديدة”، وكانت في حجرة كبيرة من شقته على اليمين من الباب الرئيسي لمدخل الشقة، كانت فيها كراسي كثيرة في صفوف، والعقاد كان يجلس على كرسي بملابس منزلية بسيطة أمام الحاضرين، كنت قبل بدء الندوة وأثناء وصول الناس أسمع صوت “الست” من على تسجيل في منزله”.
ويضيف قائلاً عن أسطورة أم كلثوم :” كان العقاد في حالة إنسجام ملحوظة، خصوصا لو صادف يوم الجمعة ثاني يوم بعد حفلة أم كلثوم التي كانت تذاع الخميس الأول من كل شهر، كان عنده رجل يقوم على خدمته ويقدم للحاضرين خلال الندوة مشروبات مثل شاي وقهوة وعصير برتقال، ولا أذكر المشروبات الأخرى، وكان عدد الحاضرين لا يقل عن ثلاثين شخصا وكنت أنا أصغر واحد فيهم ولم أجرؤ على الكلام”.
ويضيف حول سيدة الغناء العربي:” كان معروفًا أن كتاباته وأشعاره على مستوى عالٍ يصعب على الغالبية فهمها، وفي مرة سأله أحد الحاضرين لماذا لا ينزل بمستواه ويكتب شعراً وكتبا ومقالات سهلة للفهم على مستوى الشعب؛ فقال: ولماذا لا يرفع القراء مستواهم الفكري ليفهموا ما أكتب؟”.
السر في شخصيتها وذكائها الخارق .. لا في صوتها

” وسأله رجل في ندوة عن رأيه في أم كلثوم فقال العقاد: أم كلثوم هي بدون شك معجزة إلهية وهبها الله لمصر، الإعجاز هنا ليس فقط في صوتها وأدائها وفنها، بل هو في شخصيتها وذكائها الخارق، لم يجد الزمان بمثلها من قبل، ولن يجود بمثلها في المستقبل، بالرغم من اختلافي مع أحمد شوقي في أشياء كثيرة إلا أنني أتفق معه في وصف أم كلثوم في قصيدته (سلوا كؤوس الطلا)”.
لماذا رفضت “الست” أن يكتب عنها العقاد “عبقرية أم كلثوم”؟
ويواصل:”سأله نفس الرجل هل كان يفكر في عمل كتاب عن أم كلثوم، وإذا كان ذلك فماذا كان يفكر، في عنوان أو اسم لهذا الكتاب، قال العقاد، نعم أنوي وتحدثت مع أم كلثوم، واقترحت عليها أن أسمي الكتاب “عبقرية أم كلثوم”، هى رفضت الاسم احتراما للعبقريات الأخرى التي كتبت عنها، وهذا يدل على ذكائها وأصالتها، ربما سوف أسمّيه أم كلثوم العبقرية، أو أم كلثوم المعجزة، وتوفى العقاد بعد ذلك بزمن قليل”.
يذكر أن العقاد كتب قصيدة شعرمؤثرة للترحيب بعودة أم كلثوم من رحلة العلاج في الخارج، وألقاها في الاحتفال الذي أقيم بمناسبة عودتها من هذه الرحلة الذي أقيم في “معهد الموسيقى العربية” سنة 1949، والذي حضره الأمراء وكبار الشخصيات السياسية والأدبية والموسيقية في مصر وسائر الدول العربية وسفراء الدول الأجنبية، وكانت القصيدة طويلة ونشرتها من قبل وتبدأ بهذه الأبيات:
هلل الشرق بالدعاء
كوكب الشرق في السماء
عاد في حلة الضياء
وفي هالة البهاء
أم كلثوم يا بشيرًا من الله بالرجاء
أنت من وحيه ولله في الفن أنبياء
ذلك الصوت صوتك العذب من عرشه نداء
فيه سر من جنة الخلد لكنه ضياء
ويتابع: كان يحضر بعض المفكرين الأجانب كذلك لأنه كان يتقن اللغة الإنجليزية ولغات أخرى، وكانت بعض كتبه قد ترجمت للغات أجنبية كانت له قدرة وثقافة وعلم كبير أي شخص من الحاضرين كان يسأله في أي موضوع أدبي أو ثقافي أو علمي.
وكان يرد بطلاقة ودقة فائقة يقال إنه كان مريضا ذات يوم وعندما جاء الطبيب شرح له العقاد تشخيص دقيق لمرضه وطرق العلاج المختلفة واسم الدواء، تعجب الطبيب وعلم أن العقاد كان يقرأ الكتب التي تدرس في الطب والعلوم وغيرها ويهضمها تماماً.
إقرأ أيضاً : الذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق : أم كلثوم أسطورة تتحدى الزمن
إقرأ أيضاً: متحف “نجيب محفوظ” يحتفى ب”أم كلثوم “بندوة ومعرض
إقرأ أيضاً: أم كلثوم ماذا كانت تفعل في استراحة حفلاتها ؟
إقرأ أيضاً : لقاء الصدفة الذي جعل أم كلثوم نجمة الغناء العربي
الكلمات المفتاحية
# 50عاماُ على رحيل أم كلثوم، #أم كلثوم،#كوكب الشرق،#أم كلثوم والعقاد،# المفكر المصري عباس محمود العقاد،#قصيدة العقاد عن أم كلثوم،#كتاب العقاد عن أم كلثوم،#صوت أم كلثوم،#أغاني أم كلثوم،#موهبة أم كلثوم،#سر أم كلثوم،# أسطورة أم كلثوم،#سيدة الغناء العربي،#الغناء العربي،# كتاب عن أم كلثوم،#عبقرية أم كلثوم،# قصيدة في الفن أنبياء،# الذكرى الخمسين لرحيل لكوكب الشرق،#أذواق،# الغناء العربي.