الحب …. ربما لا توجد خيبة أكبر من أن تكتشف أنك لم تكن تُحب شخصاً بقدر ما كنت تُحب صورتك الخاصة عنه!.
تلك التي رسمتها في خيالك ثم آمنت بها حدّ العمى، ودافعت عنها بكل قواك، فهل يمكن أن نطلق على هذه المشاعر الحب!.
إننا أحيانا لا نقع في حب الأشخاص بل نقع في حب ما نريده أن يكونوا عليه.
نُحبّهم لأنهم يشبهون شيئا فينا حلما قديماً، نقصاً نحاول أن نُكمّله، احتياجا عاطفيا نُريد أن نُشبعه، لا لأنهم هم فعلا كما هم.
نحن لا نحب كما نعتقد بل نحب كما نحتاج. نحب بحجم الفراغ داخلنا لا بحجم الواقع الذي أمامنا.
ولهذا – حين تتغير الظروف أو تنكشف الحقائق – نصاب بالدهشة. نشعر أن هناك خيانة غير مفسّرة.
نشكو من أن الشخص تغير. لكن الحقيقة المُرّة أننا فقط بدأنا نراه كما هو لا كما تخيّلناه.
كم مرة أحببت شخصا فقط لأنه سمعك باهتمام؟ أو لأنه ابتسم بطريقة مختلفة؟ أولأنه وافقك الرأي في شيء يؤلمك؟.
إقرأ أيضاً للكاتب : من وحي كتاب “إنجح من أجل نفسك”:ما هي أسرارالنجاح ؟
الحب الضائع
ربما لم تحب الشخص بل أحببت الاهتمام ، الابتسامة. الطمأنينة المؤقتة . أحببت الحكاية التي رتّبتها لنفسك لا الحكاية الحقيقية التي لم تبدأ أصلا.
و المؤلم في الأمر أننا نُلبسهم أثوابا من الفضيلة والحنان والنُبل، نضعهم على عرش مثالي لا يناسب طبيعتهم ولا يُشبههم.
ونُطالبهم بعد ذلك بأن يتصرّفوا وفق الصورة التي رسمناها لا وفق حقيقتهم، وحين يُظهرون وجوههم كما هي ، نظن أنهم تغيّروا ونبكي على الحب الضائع.
لكن من الذي ضاع؟ هل هو الحب فعلًا؟ أم خيبتنا نحن في تصوّراتنا الساذجة؟ نحن نمنح خيالنا تفويضا كاملا لإعادة تشكيل الناس.
ونعطي آمالنا سلطة مطلقة لإنتاج نسخ خيالية من البشر، ثم نُصاب بالخذلان حين تتصدّع تلك النسخ لأن الواقع دائما أقوى من الخيال وأكثر جرأة وأشد صلابة.
الواقع لا يُجامل ولا يتجمل ولا يُبالي بانتظاراتنا. في البداية لا نرى الحقيقة.
نرى ما نُريد رؤيته. نُضخّم اللفتة ، ونُفسر الصدفة على أنها اهتمام ونُحلل كل رسالة كأنها وعد.
ونمنح الكلمة أكثر من معناها. وفي لحظة ما، حين نُصدم لا نغضب من الآخر فقط بل من أنفسنا أيضا.
. نغضب لأننا صدّقنا، لأننا بالغنا، لأننا تنازلنا، لأننا راهنّا على صورة ليست حقيقية.
إقرأ أيضا للكاتب: الطريق إلى التغيير .. كيف تصنع الحياة التي ترغب فيها؟
الحب الحقيقي
الحب الحقيقي لا يُولد من أحلام يقظة. ولا من هروب مؤقت، الحب الحقيقي لا يبنى على تصوّرات بل على رؤية واعية.
أن تحب الشخص كما هو لا كما تحلم به. أن ترى عيوبه ولا تفرّ منها ، أن ترى تناقضاته وتحتملها.
و أيضاً أن تدرك أنه ليس منقذا، ولا ملاكا، ولا حائطا للبكاء، بل إنسان يتعب، ويخطئ، وقد يجرحك يومًا وهو لا يقصد.
نحن بحاجة لأن نتعلم حب الوعي لا حب الحاجة. نحتاج إلى أن نسأل أنفسنا: هل أنا أحب هذا الإنسان لأنه هو أم لأنه يُعطيني شيئا أفتقده؟.
هل أحب روحه؟ فكره؟ طريقته في الحياة؟ أم فقط أحب كونه “يمنحني” ما لا أملكه؟ وهنا الفرق الجوهري بين الحب الناضج والحب المتوهّم.
و الناضج
الحب الناضج يُبنى على المعرفة ، على التواصل العميق ، على التقدير الحقيقي لما هو عليه الآخر.
أما الحب المتوهّم فهو طفل صغير يريد كل شيء لنفسه ويغضب إذا لم يحصل عليه.
وفي كثير من الأحيان نحن لا نُحب الناس.. نحن فقط نحب شعورنا حين نكون معهم.
. كم قصة حب انتهت فجأة دون سبب ظاهر؟ كم مرة شعرت أن شخصا ما “سقط من نظرك” بلا تفسير واضح؟.
إقرأ أيضا للكاتب : حين يكون الرحيل بداية جديدة
غشاوة الحلم
الحقيقة أن التفسير موجود.. لكننا نتجاهله. فذلك الشخص لم يتغير بل أنت فقط رأيته أخيرا كما هو.
وبعد أن تنقشع غشاوة الحلم تسقط القشرة. ولا عيب في ذلك على الإطلاق. أن تتخيّل ليس خطيئة.
وأن تُحب ما تتمنى أن يكونه الآخر، ليس عارا.
الخطأ الوحيد هو أن تظل تُصرّ على الحلم، رغم الحقائق، أن ترفض الواقع لأنك لا تحبه، وتُصرّ على التمسك بصورة بالية لا تصلح للحياة.
الحياة الحقيقية تبدأ حين تحب الناس بوعي. حين تُدرك أنهم ليسوا كما رسمتهم في خيالك ومع ذلك تختارهم
أن تعرف أنهم لا يشبهون قصائدك ولا أفلامك المفضلة ومع ذلك ترى فيهم شيئا يستحق البقاء.
المحبة الواعية لا تُخيّب لأنها لا تتوقع المستحيل. والمودة الناضجة لا تنهار لأنها لا تبني قصورها على الرمال.
هل كنا نحبهم؟
هل كنا نحبهم؟ ربما لا. ربما كنا نحب الصورة. الخيال. النقص الذي نبحث عن مَن يُكمله.
لكن إن استطعنا يومًا أن نحبهم كما هم دون أقنعة دون تزييف دون صدمة حين يخذلون الصورة.. فحينها فقط نكون قد أحببنا حقا.