الإنفلات الأخلاقي الذي بدأت بوادره تطفو على السطح أحياناً بات يستدعي وقفة للمراجعة وتقييم الموقف.
فلاشك أن الأخلاق من أهم العناصر الفاعلة في المجتمع؛ فمن خلالها يسترشد الضمير ويصحو تبعا لها.
وبها يتحقق التعاون والتكاتف والأمن والأمان والرحمة والمودة بين الناس.
وهي أيضاً من العناصر الحاسمة في نمو وتطور أي مجتمع حتى على المستوى الاقتصادي والثقافي وغيرهما.
واليوم أتناول في أذواق ظاهرة الإنفلات الأخلاقي … الأسباب والعلاج .
بوادر الإنفلات الأخلاقي
وحيث إن دور الأخلاق في المجتمع بهذا القدر من الأهمية فإن الإنفلات الأخلاقي الذي بدأت بوادره تطفو على السطح أحيانا يستدعي وقفة للمراجعة.
فينبغي تقييم الموقف وبحث الأسباب ووضع الحلول التي تضمن إعلاء الأخلاق والقيم في تعاملات الفراد اليومية ضمانا لاستقرار وتقدم المجتمع.
إقرأ أيضاً للكاتب : كيف تتعامل مع الشخصيات الصعبة ؟
أسباب الإنفلات الأخلاقي
وعند البحث في الأسباب التي تؤدي إلى تدني مستوى الأخلاق نجد في مقدمتها: إنخفاض الوازع الديني.
فالأخلاق وثيقة الصلة بالمعتقدات الدينية للفرد، والبحث عن مصدر آخر للأخلاق غير الدين يضعفها.
ويجعل التمسك بها أمرا خاضعا للهوى ويتغير بتغير التوجهات الفكرية وتراجع إيمان الفرد بالمصدر البديل للأخلاق.
غياب الوازع الديني
غير أن الدين أقوى وأكثر ثباتا؛ لذلك فالأخلاق المستمدة من الدين هي الأبقى والأعظم أثرا والأكثر نفعا أيضا.
وغياب الوازع الديني لعدم حصول الفرد على جرعة دينية معتدلة، وكافية وبطريقة مناسبة قادرة على التأثير فيه قد يكون سببا مهما في تراجع مستويات الالتزام الأخلاقي.
ولعلك عزيزي القارئ لاحظت انني هنا لم أتحدث عن غياب الخطاب الديني فهو موجود في قنوات تليفزيونية كثيرة وصحف ومجلات وفي دور العبادة أيضاً.
غير أنه في كثير من الأحيان خطاب سطحي غير مؤثر؛ وبالتالي لا نتيجة حقيقية مؤثرة لهذا الخطاب.
و التفكك الأسري من الأسباب
أما السبب الثاني فهو التفكك الأسري وهذا التفكك يمكن رده إلى أسس غير صحيحة تبنى عليها الأسرة.
فكثير من حالات الزواج أصبحت شبيهة بحالة التربص والحذر وتصيد الأخطاء والصراع الدائم بين الزوجين للسيطرة.
وليس التعاون من أجل بناء أسرة قوية قادرة على تجاوز صعاب الحياة ,.
وهناك حالات الكر والفر النفسية تلك تساعد على ظهور أنماط غير أخلاقية في الصراع بين الزوجين.
وهذه الأنماط غير الأخلاقية يتعلمها الأبناء، ويألفها الزوجان أيضا؛ فيتمثلونها في سلوكياتهم خارج إطار الأسرة .
وبذلك ينتشر الإنفلات الأخلاقي شيئا فشيئاً، حتى يصبح سمة سائدة بعد ذلك .
دور المدرسة
ناهيك أيضا عن عدم وجود برامج قوية ومتخصصة في المدارس تعمل على تعزيز الإلتزام الأخلاقي والقيمي بشكل متكامل.
وذلك من خلال منهج محكم ومستمر على مدار سنوات الدراسة المختلفة.
ويتضمن أنشطة ومحتوى قادر على استثارة إنتباه الطلاب وجذب اهتمامهم.
إقرأ أيضاً للكاتب : لماذا الماضي دائما أفضل من الحاضر؟
الإعلام و الإنفلات الأخلاقي
أما عن التأثير الإعلامي، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي فحدث ولا حرج.
وتعمل وسائل التواصل الاجتماعي تحديدا في جانبها السيء على جعل الفساد الأخلاقي مألوفا ومقبولا ومعتادا !.
ونتيجة للمؤثرات المصاحبة لعرض الأفكار سواء أكانت مؤثرات بصرية أو سمعية، أو حتى مؤثرات عاطفية ونفسية فإن انتشار الإنفلات الأخلاقي يكون أسرع والإقتناع به من قبل البعض يكون أقوى.
غياب القدوة الحسنة
و يكون تأثير جميع العوامل السابقة قويا وسريعا في ظل غياب قدوة حسنة يقتدي بها الشباب.
و تحظى بمكانة كبيرة وتقدير واحترام المجتمع ،وغياب القدوة الحسنة مشكلة.
ولكن المشكلة الأخطر تكمن في وجود العديد من النماذج السيئة التي تتصدر المشهد كنموذج يسير على نهجه الشباب.
نتائج الإنفلات الأخلاقي
أما عن الآثار السلبية لهذا التدني الأخلاقي فتكمن في ضعف المجتمع وتفككه.
وذلك لأن الأخلاق تعمل على توطيد العلاقات بين أفراد المجتمع، وتشجيع التعاون بدلا من التناحر، والإنجاز بدلا من الإفساد.
كما أن تدني مستوى الأخلاق يؤدي بالطبع إلى ارتفاع معدلات الجريمة، والفساد في ظل غياب المبادئ الأخلاقية الحاكمة لسلوك الأفراد.
هذا إلى جانب انهيار القيم التربوية وإضعاف المؤسسات التربوية وعلى رأسها الأسرة والمدرسة.
ليس هذا فحسب، ولكن فقدان الهوية الثقافية والحضارية أيضاً يعد من النواتج الأساسية للانفلات الأخلاقي .
كما أن هناك تأثيرات سلبية أخرى اقتصادية واجتماعية كثيرة لهذا الإنفلات.
إقرأ أيضاً للكاتب : الأسرة .. رسالة واحدة وأدوارمتغيرة
علاج الإنفلات الأخلاقي
أما عن العلاج وما يجب فعله للحفاظ على الجانب الأخلاقي وتنميته، فإن الأمر يبدأ من الأسرة.
فللأسرة أن تمارس دورها الأساسي في بناء قيم وأخلاق الأبناء من خلال حوار أسري هادئ ومثمر.
فضلاً عن تنمية علاقات أسرية قائمة على الاحترام المتبادل والتقدير.
وتحتاج الأسرة إلى قدر من التوعية والإرشاد يساعدها في تحقيق هذه الوظيفة بلا شك .
وعلى المدرسة الاهتمام بتطوير مناهج الأخلاق والقيم وتطوير الأنشطة الطلابية.
ويعد تعزيز التفاعل المبني على القيم والاحترام والأخلاق داخل المدرسة من أهم الضروريات التي يجب أن تلتزم بها المدارس.
كما يجب أن يتم تعزيز النماذج الإيجابية وتشجيعها ووضعها في الموضوع اللائق الذي يؤهلها لجذب الطلاب للاقتداء بها.
وفيما يتعلق بالجانب الديني فمن الضروري تطوير الخطاب الديني، بحيث يكون أكثر عمقا وأكثر قدرة على محاورة عقل ووجدان الشباب.
والوصول إلى الأماكن العميقة في أدمغتهم لزرع بذور الأخلاق والقيم عن حب واقتناع .
كما أن الإعلام له دور مهم في التركيز على النماذج الأخلاقية الحسنة وإبرازها وتسليط الضوء عليها وتجاهل النماذج السلبية والسيئة .
كما أن هناك دورا مهما للتشريعات والقوانين في الحد من الإنفلات الأخلاقي.