كتبت ندى علي
وكأن هذا المعرض قد أراد أن ينقل للمتلقي مشهداً متكاملاً جماعياً لواقع المدينة العتيقة، وأن يسرق لحظات مؤثرة دفينة مستقرة داخل قاطنيها، وبين جنبات شوارعها وحاراتها ليجسدها في لوحة واحدة ممهورة بتوقيع هؤلاء الفنانين الستة الذين شاركوا فيه بأعمالهم.
فقد جاء معرض” 30 ْX 30 … يوميات المدينة” الذي احتضنه غاليري “أرت كورنر” معبرا عن يوميات القاهرة، عبر 160 لوحة أبدعها خمس فنانين هم : فتحي علي، رضا خليل، حنان عبدالله، إنجي محمود، محمد وهبة، إضافة إلى ضيف الشرف فريد فاضل.
وقامت فكرة المعرض على تقديم كل فنان 30 لوحة تجسد 30 موضوعاً مختلفاً، منها لحظات الوفاة، والحزن، والسعادة، و الباعة، والعمال، و الأزقة، ووسائل المواصلات، بحيث تكون اللوحات بمثابة “دفتر أحوال” القاهرة” وأهلها، تحمل روحها، وتتنفس عبق تاريخها الطويل العريق.
وتأتي كل الأعمال بمقاس 30 X30 (باستثناء ضيف الشرف الدكتور فريد فاضل)، وعمل الفنانون في مراسمهم بشكل منفرد، بعيداً عن بعضهم البعض، بحيث لايرى كل منهم أعمال الآخر؛ لعدم التاثر بطريقة التناول الفني للقاهرة. .
وبالرغم من أن الذات الفردية وأحوالها قد تكون هي ذاتها، منبعاً مستقلاً كافيا لإبداع العمل الفني، أي عمل فني، لكن هذه الذات جاءت في أعمال المعرض غيرمنفصلة عن المحيط، وهو مايتسق مع حقيقة أنه ليس من الممكن أن يعيش الفرد ضمن جزيرة مغلقة في مدينة بحجم القاهرة.
جسد الفنان فتحي علي مشاهد مختلفة من المدينة، عشنا معه بساطة أهل حي الجمالية، وبراعة فنانيها في إبداع أعمال يدوية تراثية، والباعة في أسوقها، والأفراد يلتفون حول عربة الفول، مجسداً الشوارع و الأزقة، بتفاصيلها المعمارية، وزخارفها الفنية.
و أهتم فتحي علي في لوحاته بالظل والنور،لإنطلاقاً من أن حواري القاهرة ليست مستقيمة، إنما غنية بالمنعطفات، ومن ثم فإن سكانها يستمتعون بهذا التواصل مابين الظل والضوء على العكس من الشوارع الحادة باستقامتها، يقول الفنان ل”أذواق”:” بالنسبة لي الضوء يمثل لي موسيقى في اللوحة”.
ويتابع:” عندما أرسم الناس أكون في واقع الأمرأسرد حكايات أهلي وجيراني وأصدقائي؛ لأنني أسكن في هذا الحي العريق، ولذلك يسمحون لي أن اقترب منهم أدخل بيوتهم، وأنقل ما اشاهده للناس في كل مكان؛ لأنهم يعتزون بإرثهم الإجتماعي والثقافي”.
يرسم الفنان إسكتشات وسط الناس في الشوارع والحارات، ثم يواصل رسمه في هدوء،” هذا غير متاح لكل الفنانين بعضهم يلتقط صوراً فوتوغرافية، ثم يرسم في مرسمه، لكنني أواصل رسمي في أرض الواقع، أحيانا أنسق مشاهد درامية بين الشخوص، وأعطي لكل منهم دور، وكأنني في لوكيشين تصوير، ثم أرسمهم، ولذلك أقدم في لوحاتي مواققف حياتية، وكأنها مشاهد من عمل مسرحي أوسينمائي أو تليفزيوني، وهي في حقيقة الأمر من قلب القاهرة ( وما الحياة إلا مسرح كبير).
اعتبر الفنان رضا خليل مشاركته في معرض ” 30 X30 … يوميات المدينة” بمثابة تلاقي مجموعة من الفنانين على الاحتفاء ب”يوميات المدينة” وتلاقي في حب الحق والخير والجمال، وجاء تجسيده للقاهرة بتعبيرية معبرة عن نبض المكان، بألوان درامية موحية، قال ل”أذواق”:” في الزحام يتلاحم البشر كموج البحر المتكسر، وقد عشت عن قرب مع هذا الزحام، وتفاعلت مع الناس، وكل الشخوص الذين في لوحاتي هم ناس من دم ولحم التقيت بهم بالفعل في الحياة”.
ويتابع:” وحتى البنايات السكنية و المباني القديمة التي تأتي في أعمالي هي جزء من الروح و الذاكرة، هي بيوت الأجداد و الأقارب والأصدقاء و الجيران، المحملة بالذكريات، إنها مبان شامخة، متحدية”.
وينصح:” إذا قابلت الزحام في القاهرة القديمة، عليك بالإنغماس داخله، بلا تردد، و عندما يبتلعك الزحام كالغول ستكون قد وصلت إلى جزء بسيط من الحكمة!”.
في لوحات الفنانة حنان عبد الله تتعرف على مشاهد أخرى من القاهرة، تشاهد بائع العرقسوس الذي يغني للمشروب التقليدي، مرتديا ملابس غير تقليدية، عبارة عن سروال واسع فضفاض وقميص فاقع اللون كأنه جاء من عالم الاساطير حاملاً إبريقا كبيرا زجاجيا او نحاسيا له فم طويل، يصب منه على بعد في الكوب، كمن يصوب في دائرةالتصويب، بينما تنتشر الرغاوي في الكوب وينتظرها المارة في شغف.
أو أن تتلصص من خلال لوحاتها على الأحاديث المسترسلة الدافئة بين الجيران زمان عبر الشبابيك قبل أن يسودها برودة المشاعر وتتحول إلى رسائل قصيرة جافة عبر التطبيقات الإلكترونية، تقول الفنانة ل”أذواق”:” سعدت كثرا بالمشاركة في معرض” 30 X30 … يوميات المدينة” ، الذي يمثل تجربة جديدة وفكرة فنية جديدة، أن يرسم 30 فنانا الموضوعات نفسها وفق رؤى خاصة ومشاعر مختلفة، وأن يكون ذلك على مساحة 30* 30 ، لكم هو أمر ممتع وصعب في الوقت ذاته”.
وتوضح :” المساحة صغيرة للغاية، لكنها بالرغم من ذلك أتاحت لنا تكثيف الفكرة، و المشهد، فجاء معبرا في إيجاز ومسكونا بطاقات من العاطفة و لمحات من المخزون الوجداني والبصري لكل منا”.