لم يعد الإنسان في حاجة إلى السفر، أو الإنتظار، لسماع صوت من يحب، ولم يعد هناك مسافات طويلة تفصل بين القلوب. وبالرغم من ذلك لم تعد العلاقات الإنسانية كما هي!.
هل سألت نفسك يوماً، ماهي الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة؟!.
إن الرسائل تصل في جزء من الثانية، والمكالمات متاحة في أي وقت، والفيديوهات تنقل ملامح الوجه، كما لو كان الشخص يجلس أمامك تماماً.
ومع ذلك، ورغم كل هذا القرب، لم يكن الناس يوماً، بهذا البعد عن بعضهم البعض، قبل سنوات كانت اللقاءات العائلية مقدسة.
إقرأ أيضاً للكاتب : مفارقات الحياة .. حين تصبح البساطة معقدة !
مفهوم العلاقات الإنسانية
قد أرى نفسي في حاجة لتوضيح مفهوم العلاقات الإنسانية في ظل تراجع حضوره للأسف، لعلنا نستعيد حضوره القوي في المجتمع.
و يُطلق مصطلح «العلاقات الإنسانية» على أساليب التعامل بين الناس، وتفاعلهم في المجتمع الذي يعيشون فيه، في شتى جوانب الحياة.
العلاقات الإنسانية زمان
كان الأصدقاء يجتمعون دون موعد مسبق، وكانت المحادثات تمتد لساعات دون ملل، وكانت الضحكات تملأ المكان، دون مقاطعة إشعارات الهواتف.
اليوم تغير كل شيء. أصبح الهاتف هو سيد الموقف، في أي لقاء يقطع الحديث، ويجعل التواصل مباشراً في شكله، لكنه بارداً في مضمونه.
العلاقات الإنسانية وتطور التكنولوجيا
ما حدث لم يكن وليد اللحظة، بل جاء تدريجياً مع تطور التكنولوجيا، التي بدأت كوسيلة للتقريب، لكنها انتهت كبديل للعلاقات.
لم نعد نعبر عن مشاعرنا بالكلمات؛ فهناك رموز جاهزة، لم نعد نسأل عن أحوالهم؛ لأننا نرى اليوميات على منصات التواصل.
و نفترض أنهم بخير، ما دامت صورهم تبدو سعيدة، حتى في الحزن، لم يعد العناق ضرورياً؛ فهناك التعليقات والرسائل المنمقة.
هذه الرسائل في الغالب يتم نسخها، وإرسالها في ثوان، لكن ماذا خسرنا في المقابل؟ ربما لم ندرك ذلك في البداية.
إقرأ أيضاً للكاتب : موضوع عائلي 3 … متعة اللحظات البسيطة مع من نحب
الشعور بالوحدة برغم الأصدقاء الإفتراضيين
لكن مع الوقت أصبح الشعور بالوحدة أكثرحضوراً، صحيح أننا محاطون بالآلاف من الأصدقاء، والمتابعين، لكن كم شخصاً منهم نلجأ إليه في لحظة ضعف حقيقية؟!.
كم صديقا سيترك هاتفه جانباً ليستمع إلينا بتركيز دون أن يتفقد إشعاراته كل بضع دقائق؟، المشكلة الحقيقية ليست في التكنولوجيا نفسها.
بل المشكلة في الطريقة التي سمحنا بها لها أن تتحكم فينا؛ نحن من اخترنا أن نستبدل الحوارات العميقة بالمحادثات السريعة.
ونحن من جعلنا الاهتمام يُقاس بعدد “الإعجابات” والتعليقات، نحن من قررنا أن نعيش حياتنا عبر الشاشات بدلاً من أن نعيشها حقاً.
ونحن من يحتفي بالتفاعل الرقمي، بدلاً من المشاعر، لكن الأمر لا يزال في أيدينا، يمكننا أن نعيد الدفء إلى علاقاتنا.
كيف نستعيد روح العلاقات الإنسانية؟
نعم يمكنا أن نستعيد روح العلاقات الإنسانية، عندما نسترجع اللحظات التي إفتقدناها، وعندما نقرر ترك الهاتف جانباً حين نلتقي مع أحبائنا.
وعندما نعود إلى الزيارات، وأحياناً المكالمات الهاتفية بدلاً من الرسائل الباردة، وأن نخصص وقتاً خالياً من الشاشات؛ لنجتمع معهم.
علينا أن نتذكر أن المشاعرتحتاج إلى وقت واهتمام، وأن العلاقات الإنسانية لا تُبنى على السرعة والاختصار، بل على التفاصيل الصغيرة التي تمنحها معناها.
التكنولوجيا جزء من حياتنا، لكنها يجب ألا تكون بديلاً عن التواصل والأسرة، وينبغي ألا نسمح لها بالهيمنة على العلاقات بين البشر.
إقرأ أيضاً للكاتب : من وحي كتاب “إنجح من أجل نفسك”:ما هي أسرارالنجاح ؟
الخلاصة
إن السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا لا ينبغي ألا يكون : كم عدد الأشخاص الذين نتحدث إليهم يومياً.
بل السؤال الصحيح، هو كم شخصاً نشعر بقربه حقاً؟… ذلك إذا كنا نهتم بالفعل بإستعادة روح العلاقات الإنسانية ومعناها العميق.
و في النهاية لايسعني إلا استحضار أجمل ماقيل في العلاقات الإنسانية من وجهة نظري؛ لكي ندرك أهميتها، وتأثيرها الطاغي علينا.
وهي مقولة إكناث إيسواران “إن العلاقات الإنسانية هي الأداة المثالية للتخلص من حوافنا الحادة -الخشنة – والوصول إلى جوهرنا الروحاني”.