كثيرون ينظرون إلى البدايات الجميلة بأنها مؤقتة … يوماً ما ستتلاشى وتأخذ معها لحظات السعادة والنجاح والإحساس بالأمان والاستقرار؛ فهي مجرد بدايات طالت أوقصرت، ستعقبها حتماً الأحزان، والأوجاع والإحباطات، ذلك سواء كانت بدايات لقصص حب وارتباط، أولمشوارمهني، أولخوض صداقات وزمالة عمل أولأي مرحلة جديدة في حياتنا، إلى حد إننا أصبحنا أحياناً لانستمتع حتى بهذه البدايات بسبب إنشغالنا بترقب النهايات المؤلمة المنتظرة!.
في تاريخ الإبداع تبقى البدايات والنهايات هي محوراهتمام الكثير من الروائيين والشعراء والرسامين حتى إنهم استلهموا عناوين بعض أعمالهم ومعارضهم منهما، وفي حياة الشخص العادي ترتبط نظرته للبدايات بالشغف والحماس والوقد على عكس النهايات الخالية من ذلك كله من وجهة نظره، لكن هل بالفعل هذه هي الحقيقة؟!.
كلنا نتذكر “أول مرة” ونمنحها القدر الكافي والوافي من الحنين والإشادة .. أول مرة ذهبنا إلى المدرسة، وأول صداقة، وأول مرة توجهنا إلى الجامعة وأول مرة استلمنا فيها مهمة عمل و…غيرها من قائمة “أول مرة” التي غالبا مانتبع مدحها وحديثنا الشيق عنها بجملة” ياليت أول مرة استمرت”.
لكن إذا كنا نؤمن بقيمة البداية والنهاية إلى هذا الحد، ونمنحهما هذا القدرمن الاهتمام والإنحياز، فماذا عن “الوسط”، ماذا عن المسافة مابين البداية بكل مميزاتها والنهاية بكل سلبياتها؟!.
كان الشاعرالأميركي روبرت فروست يقول:”أنت تبحث عن شيء غيرموجود وهوالبدايات والنهايات، فليس هناك سوى الوسط”…هذه وجهة نظر أخرى عن البدايات والنهايات تهدم النظرية السابقة التي تعظم من واحدة وتحقرمن أخرى، لكن أيكون السرفعلاً في هذا “الوسط” وفي تجاهل البداية الزائفة والنهاية الموجعة اللتين لاوجود لها وفق فروست؟! .
في رأيي أن “الوسط” بالفعل مرحلة مهمة للغاية نغفلها في قصصنا الناجحة والفاشلة وحكاياتنا الشخصية والعامة وأسرارنا ومشاعرنا الظاهرة والخفية؛ فخلال هذه المسافة التي تتوسط كل شيء نحن نستطيع بذل الكثيرمن الجهد للمحافظة على “حلاوة” البدايات ورعاية مصيرها وحمايته من عوامل الزمن بمفاجآته وتقلباته، إن استثمارمرحلة الوسط في أي مشواريقطعه الإنسان يساهم بحق في نجاحه وتحديد مساره، لكن برغم كل ذلك فإن “الوسط” لايمكن أن يكون أهم من “البدايات”!.
في الواقع إن البدايات ـ وربما مايسبقها ـ هومايصنع الوسط والنهايات أيضاً، لو تأملت حياتك واستحضرت الماضي، وعدت إلى بداية الحكاية فإنك ستصل إلى نتيجتين تجاهها لا ثالث لهما، وهو إما أن تكون البداية قد قامت على أسس ومعلومات صحيحة وتفكيرسليم ناضج وتخطيط مسبق موفق، أوالعكس تماماً كانت البداية خاطئة متسرعة تمت بناء على حقائق زائفة أو كاذبة وارتبطت بخطوات وقرارات غيرمدروسة.
ولأن النتيجتين عكس بعضهما فإن طريقهما أونهايتهما حتما ستختلف أيضاً!، فلايمكن أن يكون مايترتب عليهما هو نفس المصير، بمعنى أن النهايات تكتبها في الأساس البدايات ـ وتساعدها مرحلة “الوسط” ـ فدعنا نقول “فتش عن البدايات”.
إذن البدايات الحلوة قد تستمر وتبقى محتفظة بنفس الحماس والشغف والتوقد أوعلى الأقل تبقى متمتعة بهذه السمات إلى حد كبير، لكن متى أو كيف يحدث ذلك؟، لاشك عندما تكون البدايات صحيحة مستندة إلى أسباب قوية حكيمة، وحين ندعمها أيضاً فيما بعد عوامل أخرى، منها الرعاية والاهتمام وبذل الجهد وتطوير الذات، وأحيانا يستلزم الأمر إصلاح القلب وتنقيته دوماً، فهكذا تستمرالبدايات.
وفي “أذواق”حرصنا على أن نأخذ بكل هذه الأسباب لتستمتع معنا بروعة البدايات التي تستمروتظل صابحة طازجة ، متحمسة وشغوفة بالنجاح، فنعاهدك أن تظل “أذواق” ملاذاً آمناً لك من منغصات الحياة عبرماتقدمه من محتوى متنوع يخاطب الفكروالوجدان، ويعيد إحياء الكثيرمن المعاني والقيم والجماليات المفقودة، فإبق معنا وتواصل وتفاعل مع حكايتنا فهي حكاية “الحياة” نفسها؛ وذلك حتى … تستمرالبدايات.