بقلم : د.زينة عبد العزيز منير أكاديمية و متخصصة في السياسات البيئية – جامعة فرايبورغ ألمانيا
نتائج مؤتمر كوب 28: لغة أكثر حزما بشأن التخلص من الوقود الأحفورى
اختتم مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP28) بإتفاق يشير إلى “بداية النهاية” لعصر الوقود الأحفوري من خلال تمهيد الطريق لإنتقال سريع وعادل ومُنصف، مدعومًا بضغط أكثر من 100 دولة من أجل صياغة لغة قوية “للتخلص التدريجى” من استخدام النفط و الغاز و الفحم. و لقد تباينت ردورد الأفعال حول هذه النتيجة بين الترحيب بنجاح المؤتمر فى التوصل إلى “لغة اكثر حزما” فيما يتعلق بضرورة التخلص من الوقود الأحفورى مقارنة بنتائج مؤتمرات السنوات السابقة التى لم تتم الإشارة فيها إلى ضرورة التخلص من الوقود الأحفورى, بينما أعتبر آخرون أن النص على مجرد “تقليل استهلاك و إنتاج الوقود الأحفورى” يلتف حول مطالبات المجتمع الدولى “بالتخلص التدريجى” أو “التخفيض التدريجى” من الوقود الأحفورى الذى اشار العلماء إلى أهميته القصوى للحد من متوسط ارتفاع درجات الحرارة بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.
قد يهمك أيضا : التعليم و تغير المناخ فى كوب 28: نحو مواطنة بيئية عالمية (azwaaq.com)
الطلب على الوقود الأحفورى فى العالم: توقعات و اتجاهات السوق
بينما يتزايد الإهتمام الدولى بقضايا تغير المناخ و الإنتقال العادل إلى اقتصادات خضراء و مستدامة, نجد أن خبراء الطاقة يؤكدون استمرار الوقود الأحفورى كجزء من مزيج الطاقة العالمى على مدى العقود القليلة المقبلة على الأقل، وإن كان بنسبة أقل من مستويات الطلب الحالية.
و فى هذا الإطار, تشير نتائج الدراسة التى قامت بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن سيناريوهات استخدام و مستقبل الطاقة فى العالم , أنه وفقا لسيناريو التنمية المستدامة سوف تصل اقتصادات الدول المتقدمة إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050، والصين بحلول عام 2060، وجميع البلدان الأخرى بحلول عام 2070 على أبعد تقدير.
ومع ذلك، فإن الطلب على النفط –وفقا لسيناريو التنمية المستدامة -سيزداد خلال السنوات القليلة المقبلة ثم ينخفض إلى حوالي 50 مليون برميل يوميا في عام 2050 مقارنة مع 97 مليون برميل يوميا حاليا. وهذا يعني أن إجمالي الطلب على النفط ينخفض بمعدل 2% سنويا فى الفترة بين عامى 2018 و2050. و بالنسبة للطلب على الغاز الطبيعى, فإنه من المتوقع أن يبلغ الطلب على الغاز الطبيعى حوالى 4000 مليار متر مكعب بحلول نهاية عام 2030 ثم يبدأ بعدها بالإنخفاض بشكل كبير.أما بالنسبة لمستقبل الفحم, يتوقع سيناريو التنمية المستدامة, أن يتم التخلص التدريجي من الطلب على الفحم ليصل إلى 8٪ فقط من إجمالي استخدام الطاقة بحلول عام 2050.
ووفقًا للسيناريو الموضح أعلاه، من المتوقع أن يستمر الطلب العالمي على الطاقة في الزيادة بنسبة 1٪ سنويًا حتى عام 2040 و يرتبط هذا النمو فى الطلب بالزيادة السكانية ,حيث من المتوقع أن يبلغ سكان العالم بحلول عام 2040 حوالى 9 مليارات شخص، و أن يتزايد الناتج المحلى الإجمالى بمتوسط 3.5 سنويا فى نفس المدة.
قد يهمك أيضا : مؤتمر المناخ في دبي : ثلاث روايات للمفاوضات الدولية (azwaaq.com)
أوروبا: الصفقة الخضراء الكبرى لا تعنى الإستغناء عن موارد الطاقة التقليدية
فى الإتحاد الأوروبي تم اعلان الصفقة الخضراء الأوروبية فى عام 2019 و التى تُمثل خارطة طريق للحد من انبعاثات الكربون في أوروبا حوالى 55٪ أقل من مستويات الإنبعاثات فى التسعينيات بحلول عام 2030 وتحقيق قارة “محايدة مناخيا” بحلول عام 2050.
و بالرغم من هذه الخطة الطموح لتقليل اعتماد القارة على الوقود التقليدى’ لا تزال أوروبا تعتمد على الوارادت فى تلبية احتياجاتها من الطاقة (60% من احتياجات القارة) و شكلت مصادر الطاقة التقليدية حوالى 15 % من إجمالى وارادات الإتحاد الأوروبى فى عام 2021 و ارتفعت هذه النسبة الى 25% فى عام 2022 فى ضوء الحرب الروسية فى أوكرانيا و ارتفاع أسعار الطاقة عالميا. ومن حيث القيمة التجارية، كان نحو 60% من واردات الاتحاد الأوروبي من الطاقة في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2022 عبارة عن منتجات بترولية، يليها الغاز (حوالي الثلث) والفحم (أقل من 5% ).
و كانت روسيا المصدر الرئيسي لوراردت الاتحاد الأوروبي من الطاقة في عام 2021 بما يبلغ حوالى 25.8% من واردات أوروبا من البترول و 43.9% من واردات أوروبا من الغاز طبيعى. و فى عام 2022, انخفضت واردات أوروبا من المواد البترولية من روسيا -و إن كانت روسيا لا تزال أكبر مورد لأوروبا- حيث وصلت إلى 18.3 % من واردات أوروبا من البترول و على الجانب الآخر استوردت أوروبا حوالى 15.3% من احتياجاتها من الغاز الطبيعى من النرويج.
ووفقا لهذه الإحصاءات، في حين انخفض إنتاج النفط داخل الاتحاد الأوروبي بنسبة 46٪ منذ عام 2000، فقد استقر الطلب الإجمالي على النفط خلال نفس الفترة وسيستمر الاتحاد الأوروبي في الاعتماد على الواردات من المواد البترولية التقليدية لتلبية هذا الطلب على الأقل خلال العقود القليلة المقبلة.
الشرق الأوسط: محاولات تنويع مصادر الطاقة فى أقليم يُحركه اقتصاديا النفط و الغاز الطبيعى
في منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا لا تزال صادرات المواد الهيدروكربونية تشكل ما يقرب من ثلثي إجمالي صادرات المنطقة وحوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي، لا سيما في البلدان المُصدرة للنفط. سوف أتناول هنا جهود أبرز الدول النفطية فى منطقة الشرق الأوسط لتنويع مصادر الطاقة و مدى تقدمها فى تحقيق أهداف اتفاقية باريس و الإنتقال الأخضر.
فمثلا,أعلنت المملكة العربية السعودية خطتها بأن تصبح مُحايدة للكربون في إنتاجها المحلي بحلول عام 2060، حيث تعمل على توليد 50٪ من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030 وتتخلص من انبعاثاتها الكربونية باستخدام الهيدروكربون النظيف بمقدار 278 طن متري سنويًا بحلول عام 2030. و فى هذا الإطار أعلنت المملكة عن مجموعة من المبادرات الطموحة تستهدف حفض الإنبعاثات الكربونبة مثل انشاء أول مزرعة رياح في المملكة ، بقدرة 400 ميجاوات، والتي من المخطط لها توفير الكهرباء لـ 70 ألف منزل وإعلان شركة أرامكو السعودية للطاقة عن تطوير محطة سدير للطاقة الشمسية بقدرة 1.5 جيجاوات و التى ستوفر الطاقة لـ 185 ألف منزل، مما يعوض 2.9 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون. 2025. و بالرغم من كل هذه المبادرات الطموجة لا يزال يعتمد الإقتصاد السعودي بشكل كبير على قطاع النفط حيث شكلت الصادرات النفطية 77% من إجمالي الصادرات السعودية في عام 2019، و68% من اجمالى الصادرات في عام 2020. وتمثل الإيرادات النفطية 24.4% و20.5% من الناتج المحلي الإجمالي للسعودية على التوالى فى عامى 2019 و 2020.
قد يهمك أيضا : شراكة بين السويد و برنامج الأمم المتحدة الإنمائى لدعم أسواق الكربون فى أفريقيا (azwaaq.com)
أما الإمارات العربية المتحدة فقد أصبحت أول دولة خليجية تلتزم بتحقيق انبعاثات صفرية من الكربون خلال العقود الثلاث القادمة وفقا لإستراتيجية الإمارات للطاقة 2050. وتتوافق استراتيجية 2050 مع الاستراتيجية الأوسع لدولة الإمارات العربية المتحدة و الهادفة إلى زيادة الإعتماد على مصادر الطاقة المتجددة لتُمثل 44% من مزيج الطاقة و تقليل البصمة الكربونية للدولة و خصوصا تلك المرتبطة بقطاع الطاقة بنسبة 70% بحلول عام 2050. على الرغم من كل هذه المبادرات الإيجابية ، لاتزال تعتمد دولة الإمارات العربية المتحدة على عائدات صادرات النفط لتحقيق الاستقرار في اقتصادها حيث تشير الإحصاءات أن 30 ٪ من إيرادات الإمارات يرتبط بشكل مباشر بالمنتجات النفطية. و يشير الخبراء إلى استمرار لعب الإمارات دورا محوريا فى أسواق الطاقة العالمية من خلال استهداف أسواق الاقتصادات الناشئة التي من المتوقع أن يرتفع الطلب على النفط فيها خلال السنوات القليلة المقبلة، مستهدفة إنتاج 5 ملايين برميل من النفط يومياً بحلول عام 2030، بدلاً من 3.5 مليون برميل في عام 2018.
أما الجزائر فقد أعلنت عن خطتها لزيادة قدرتها الإنتاجية من الطاقة المتجددة إلى 15 ألف ميجاوات وإنتاج 27٪ من الكهرباء من موارد الطاقة البديلة بحلول عام 2035. و بالرغم من هذه الخطة الطموحة, حاليًا، تنتج الجزائر ما يقرب من 686 ميجاوات – 3٪ من مزيج الطاقة لديها فقط – من مصادر متجددة، مستمدة بشكل أساسي من الطاقة الشمسية (448 ميجاوات)، والطاقة المائية (228 ميجاوات)، وطاقة الرياح (10 ميجاوات.
و يشير المراقبون أن مزيج الطاقة في البلاد لا يزال يعتمد في الغالب على الوقود الأحفوري، وتعد الجزائر من بين الدول الرائدة في انبعاث ثاني أكسيد الكربون في أفريقيا فهى تمتلك عاشر أكبر احتياطي معروف للغاز الطبيعي، و تعتبرسادس أكبر مُصدر للغاز في العالم.
عام 2020، قامت الجزائر بحرق حوالي 9.3 مليار متر مكعب من الغاز ، مما يجعلها خامس أكبر حارق للغاز في العالم وصدرت 35٪ من إجمالي إنتاجها من النفط الخام إلى الاتحاد الأوروبي. وتمثل عائدات النفط والغاز 95% من اجمالى
الخلاصة:عالم بلا وقود أحفورى: ممكن و لكن ليس قريبا
إن الإشارة الى ضرورة تقليل انتاج و استهلاك الوقود الأحفورى فى العالم كأحد مخرجات مؤتمر كوب 28 فى دبى, يُعتبر تأكيدا على وعى و اعتراف المجتمع الدولى بخطورة أزمة تغير المناخ و الدور السلبى لإستخراج و تصنيع موارد الطاقة التقليدية فى تفاقم الكارثة المناخية التى يشهدها العالم. و بالرغم من تفاوت ردود الأفعال الدولية إزاء مخرجات مؤتمر كوب 28 فيما يتعلق بمستقبل الوقود الأحفورى فى العالم, الإ أن هذه المخرجات جاءت متوافقة ليس فقط مع واقع الدول من الناحية الإقتصادية و السياسية – كما هو الحال فى دول الخليج العربى التى يُشكل الوقود الأحفورى المصدر الرئيسى للدخل فيها- و لكن أيضا مع التوقعات الإقتصادية للخبراء الذين أشاروا أن العالم سيستمر فى الإعتماد و لو جزئيا على الوقود الأحفورى فى العقود القليلة القادمة على أقل تقدير.
إن تحقيق ما دعا إليه مؤتمر كوب 28 بتقليل انتاج و استهلاك الوقود الأحفورى، لا يقتصرفقط على الإهتمام بالأمور التقنية المتمثلة فى تنويع مصادر الطاقة المتجددة و الإستثمار فى تكنولوجيا كفاءة الطاقة , و لكن لا بد من حث الحكومات على توفير الأطر العامة و السياسيات الوطنية التى تُمكن من تسريع التحول فى مجال الطاقة و تنويع مصادرها و لا سيما فى البلاد المُصدرة للنفط. كذلك لابد من الأخذ فى الإعتبار التداعيات الإقتصادية والإجتماعية و الجيوسياسية الواسعة التى ترتبط بالإستغناء عن الوقود الأحفورى خصوصا فى الدول التى تعتمد اقتصادياتها على عائدات تصدير النفط و الغاز و غيرها من المنتجات البترولية المرتبطة بهما.