بقلم : شحاته زكريا
في خضم سباق الحياة المحموم نحو التقدم والتعقيد، تبدو البساطة وكأنها أصبحت عُملة نادرة تُباع بأغلى الأثمان، نعيش في عصر لا يفتأ يُغرقنا بالتقنيات المتطورة والأنماط المتسارعة؛ فنجد أنفسنا عالقين بين مطرقة الإنجاز وسندان الاستهلاك.
ماهي البساطة ؟
لكن وسط هذه الفوضى المنظمة، تبرز البساطة كحل مبتكر لمعضلاتٍ لم تكن معقدة بالأساس، وهنا ربما يطرح سؤال نفسه، وهو ماهي البساطة؟ البساطة ليست مجرد تقليل من التفاصيل أو التخلص من الكماليات، إنها فن إعادة تعريف الأولويات، وإعادة صياغة الحياة بحيث تصبح أكثر انسجاماً مع ذاتنا.
ورغم أن الفكرة تبدو سهلة المنال، إلا أن الواقع يعكس صورة أخرى، كثيرون يسعون إلى اقتناء كل ما يُعتقد أنه يسهل الحياة، فينتهي بهم المطاف بأحمال من التعقيدات النفسية والمادية التي لم تكن موجودة من قبل!.
البساطة أصل الجمال
الغريب في الأمر أن البساطة كانت ولا تزال، منبع الجمال، بل هي البساطة أصل الجمال في كل شيء، تأمل الطبيعة من حولك؛ الشجرة التي تنمو بلا تكلف، النهر الذي يتدفق دون أن يسأل عن جدواه، وحتى الطفل الذي يضحك على أبسط الأشياء.
في المقابل نحن نبحث عن معادلات معقدة لجعل حياتنا أسهل، في حين أن الحل يكمن في العودة إلى ما هو أساسي وأصيل، أحد أكبر التحديات التي تواجهنا اليوم هو قدرتنا على التمييز بين ما نريده، وما نحتاجه.
التكنولوجيا ماذا فعلت بالبساطة ؟!
التكنولوچيا على سبيل المثال تمثل مفارقة كبرى، صُممت لتبسط حياتنا، لكنها أدخلتنا في دائرة لا متناهية من التحديثات والمشتتات؛ هواتفنا الذكية مثلا أصبحت خزائن لأرواحنا؛ تحمل ذكرياتنا، أحلامنا، وحتى مخاوفنا. ومع ذلك، نجد أنفسنا مضطرين إلى تخصيص وقتٍ لتفريغ “الزحام الرقمي” الذي خلقناه بأيدينا.
لكن هل البساطة تعني التخلي عن التقدم؟ بالطبع لا. هي بالأحرى دعوة لإعادة التفكير في كيفية استخدام هذا التقدم لصالحنا بدلاً من أن نصبح عبيداً له، ما نحتاجه هو تبني عقلية الانتقاء الواعي؛ حيث نختار بعناية ما يدخل حياتنا وما يبقى خارجها، من أفكار ومعتقدات إلى أدوات وأشياء مادية.
التفاصيل الصغيرة
وفي ظل كل ذلك يبدو أن العالم ينقسم إلى فئتين: أولئك الذين يعيشون متعة اللحظة ويتنفسون البساطة كأنها جزء لا يتجزأ من كيانهم، وأولئك الذين يعيشون حالة دائمة من البحث عن السعادة في مكان آخر، الفارق بين الفئتين ليس في الموارد المتاحة لكل منهما، بل في قدرة الأولى على خلق المعنى من التفاصيل الصغيرة التي نتجاهلها يومياً.
البساطة في العيش
قد تبدو العودة إلى البساطة كأنها خطوة للخلف، لكنها في الحقيقة قفزة للأمام، إنها ليست استسلاما أو تنازلا بل عملية تحرير من قيود صنعناها بأنفسنا، عندما نختار أن نعيش ببساطة، نحن نختار أن نركز على الجوهر بدلاً من القشرة وأن نجد الجمال في النقص بدلاً من السعي وراء الكمال
الحياة بسيطة في جوهرها. نحن من يعقدها بتوقعاتنا وأحلامنا التي قد تكون أحياناً أكبر مما نتحمله، أو أكبر من قدراتنا، ليس من الخطأ أن نحلم أو نطمح، لكن من المهم أن ندرك أن الحياة ليست سباقا نحو الوصول، بل رحلة للاستمتاع بكل خطوة نخطوها، وبينما نبحث عن طرق لتخفيف تعقيدات الحياة، قد تكون الإجابة الأقرب هي الأبعد عن أعيننا: البساطة التي ظلت طوال الوقت تنادينا، بهدوء وسط ضجيج العالم.
إقرأ أيضاً للكاتب : كيف تخلق الإبداع في حياتك اليومية؟
إقرأ أيضاً: من وحي كتاب “إنجح من أجل نفسك”:ما هي أسرارالنجاح ؟
إقرأ أيضاً : هل تحقق التوازن بين حياتك الرقمية وحياتك الواقعية؟!
الكلمات المفتاحية
#ماهي البساطة، #السعادة في البساطة،#البساطة أصل الجمال، #البساطة منبع الجمال،#البساطة في العيش،# مفارقات الحياة،#الحياة، #الحياة بسيطة،#الطفل،#الطبيعة،# حين تصبح البساطة معقدة ،#شحاته زكريا