بقلم مهندس زياد عبد التواب الرئيس السابق لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء
محمد مظهر الذي لايعرفه أحد، بالطبع لا أتحدث هنا عن محمد مظهر، والذي نجد شارعاً بإسمه في حي الزمالك، والذي رافق رفاعة الطهطاوي في البعثة الثانية التي أرسلها محمد على باشا إلى فرنسا؛ حيث درس الرياضيات والهندسة.
وعندما عاد محمد مظهر باشا تم تعيينه ناظراً لمدرسة المدفعية، وأسند إليه مهمة بناء فنار الإسكندرية، ثم شارك في تصميم وبناء حوض ترميم السفن الحربية.
ثم في وقت لاحق شارك في إصلاح عيوب ظهرت في عيون القناطر؛ ولهذا منحه الخديوي إسماعيل رتبة الباشوية، وتم ترقيته ليصبح وزيراً للأشغال، لا ليس محمد مظهر باشا، هو ما أعنيه في مقالي اليوم في أذواق .
إقرأ أيضا للكاتب : عفواً… في المعرفة “مالكش حجة”!
محمد مظهر الذي أقصده
محمد مظهر الذي أقصده اسمه بالكامل هو محمد مظهر سعيد، أو الدكتور محمد مظهر سعيد على وجه الدقة، والذي نجد له كتاباً هاماً بعنوان “سجين ثورة 1919”.
صدرعن مجموعة إقرا التي تقدمها “دار المعارف”، وذلك عام 1969، كما أعادت “الهيئة العامة لقصور الثقافة” إصدارها مرة أخرى عام ، 2019 بمناسبة مرور مئة عام على هذه الثورة المجيدة.
محمد مظهر …”سجين ثورة 1919″
في هذا الكتاب …”سجين ثورة 1919″ يسرد الدكتور محمد مظهر قصته، والتي تعتبرمن أكثر قصص الكفاح ضد المحتل، يبدأها منذ ميلاده في 20 أغسطس (آب)1897، وكيف تأثر بوالده الذى كان يعمل مهندساً.
ولاقى مظهر الأمرين من الإحتلال الإنجليزي، والكثير من الإضطهاد، وهو ما أنتقل للطفل محمد حتى أنه و في سن الثامنة حينما زار مدرسته الإبتدائية مفتش انجليزي، وعندما شاهده هذا الطفل الصغير أشار اليه قائلا “هذا هو جلاد دنشواى”.
كان ذلك بعد أيام قليلة من تلك الحادثة المؤسفة؛ مما حدا بزملائه من الطلبة إلى التظاهر، هاتفين “فليسقط جلاد دنشواى…فلتسقط إنجلترا”.
إقرأ أيضاً للكاتب : كل هذه الكتب !
أطفال مصر
ولعل هذه هي اول مظاهرة يقوم بها أطفال مصر الغيورين، والتي كان من نتائجها أن تم فصل الطالب محمد؛ مما أدى به إلى الذهاب إلى جدته في بنى سويف.
وحاول الطفل المناضل الإلتحاق بالمدرسة، وتأدية الإمتحان مرة أخرى، ولكن تحت اسم جديد، وهو محمد حسن سعيد، و استمر كذلك حتى اجتاز المرحلة الثانوية بتفوق.
بعدها إنضم إلى مدرسة “المعلمين العليا”، وقام بتنظيم العديد من المظاهرات، احتجاجاً على فرض السلطات البريطانية الحماية على مصر، حتى عام 2015 ، حينما استدعاه ناظر المدرسة، وأبلغه بأن الإنجليز قد وضعوه في القائمة السوداء، وأن عليه الإهتمام بالدراسة، والإبتعاد عن السياسة تماماُ.
محمد مظهر و محمد حبيب
وكما كان الدكتور سيد باشا مع أحمد عبد الحي كيرة بمثابة الرأسين المدبرين، لكثير من العمليات الفدائية في القاهرة – يمكن التعرف على بطولاتهما من خلال مشاهدة الفيلم الرائع “كيرة والجن”- فإن محمد مظهر و محمد حبيب قاما بقيادة الثورة في أسوان.
وذلك بعد إنتقاله للتدريس هناك عام 1917، حيث تم القبض عليهما على إثر مظاهرة كبيرة، قاما بتنظيمها بعد إندلاع الثورة، وبدء حملة جمع التوقيعات؛ لتفويض الزعيم سعد زغلول.
مذكرات الدكتورمحمد مظهر
يقوم الدكتور محمد مظهر في مذكراته، بشأن تلك الأحداث “حضر ضابط إنجليزي، وساقنا تحت الحراسة إلى أحد صالونات الدرجة الأولى بالقطار، ومثلنا أمام مجلس عسكري، يتوسطه القائد جريج.
وعن يمينه ويساره قائمقام إنجليزي، وآخر هندي، وشاهين المصري، وضابط سوداني، ومترجم سوري، وبدأ الرئيس يسألنا بالإنجليزية، والمترجم يترجم بلغة ركيكة؛ فقلت له يا سعادة الجنرال الرئيس:”نحن الأربعة نعرف الإنجليزية”.
فبهت، ودقق فينا النظر، وقبل أن يوجه إلينا الكلام، تدخل الضابط الهندي، وقال في سخرية: تعلمتم في إنجلترا صاحبة الفضل عليكم، وتثورون عليها.
لا ضرورة لإضاعة الوقت!
أسكته الرئيس، وسألنى الأسم والسن والمهنة ومحل الإقامة، وقال:”إذن أنتم تفهمون معنى الثورة على الحكومة، الخروج على النظام؛ فقاطعه الضابط الهندي.
وقال:”لا ضرورة لإضاعة الوقت، ونحن على عجل، والتقرير شامل لكل الوقائع والأدلة ثابتة، ومعززة من الجهات الرسمية”، وتداول الرئيس همساً مع الأعضاء.
ورفع الجلسة قائلاً: “إذن يرسلون إلى المعتقل، ويبقون هناك معتقلين سياسيين إلى أن يبلغ إليهم الحكم بعد التصديق عليه من القيادة العليا”.
أوراق مستديرة بيضاء على قلب محمد مظهر
بالطبع كان الحكم بالإعدام، وفى هذا يقول المناضل المصري في كتابه “الإعدام كان رمياً بالرصاص علناً فى أجواء الساحات أمام الجمهور، ووقف الباشا، وأدى التحية العسكرية”.
وأشار إلى ضابط إنجليزى يحمل فى جرابه مسدساً ضخماً، وأمرهم أن يدوروا للخلف، وساروا فى اتجاه سور الفندق الخارجي، ووراءهم سرية ضرب النار ببنادقها، ووقف جنود السرية أمامهم.
ووضعوا أوراقا مستديرة بيضاء فوق القلب تماماً، مكان الضرب بالنار، وربط على عيني كل واحد عصابة سوداء، ثم ربطوا أيديهم إلى الخلف.
إقرأ أيضاً للكاتب : “العصابة .. محاكمة شات جى بى تى”كتاب جديد للمهندس زياد عبد التواب
المعجزة
ووقف الضابط أمام المنصة في انتظار إشارة الضرب من الباشا، وهنا حدثت المعجزة قبل تنفيذ الحكم بثوان، حيث جاءت سيارة حربية يرفرف عليها العلم البريطانى.
وكانت تندفع إلى المكان بسرعة جنونية، وفي وسطها وقف جنرال إنجليزي، وصاح بأعلى صوته في ضابط السرية : قف.. قف”.
وأسرع الجنرال متجهاً نحو الباشا، وناوله مظروفاً عليه أختام بالشمع الأحمر، بعد أن قرأه، أمر ضابط السرية بفك العصابات والقيود.
إقرأ أيضاً للكاتب : العادات السبع للأشخاص الأكثر فاعلية
براءة الدكتور محمد مظهر ورفافه
كان ذلك بسبب إتفاق القائد العام للقوات البريطانية، مع الحكومة المصرية على إلغاء الأحكام السابقة، و إعادة المحاكمة مرة أخرى، وهو ما تم فيما بعد خلال شهر أغسطس (آب)، وتم الحكم ببراءة محمد مظهر ورفاقه.
وفاة الدكتور محمد مظهر
بعد ذلك بخمسين عاماً أصدر المناضل المصري كتابه السابق الإشارة إليه؛ لتوثيق تلك الفترة المجيدة من تاريخ مصر الحديث، وتوفى الدكتور محمد مظهر عام 1970 عن 73 عاماً، رحمه الله.