بقلم : الدكتور عمرو عبد العزيز منير أستاذ التراث وتاريخ وحضارة العصور الوسطى وعضو جمعية اتحاد المؤرخين العرب
يستطيع القارئ أن يجد في كتابات الحكاء الإراري محمد فتحي عبد العال متعة فنية، ونزعة وطنية؛ حيث يرى مصر التي يحلم بها جيلنا تولد أمام عينيه، وهذا هو المستحيل الموجع الذي يسعى وراءه محمد عبد العال بكل صبر واقتدار تمسكه بحلم جيلنا وبالطريق، وقد بدأ يؤتي ثماره عبر مستويات ثلاثة : المعاصر، والواقعي ، والأسطوري.
ويتحرك عبد العال ليس بين النقيضين فقط ، ولكن بين كل الألوان وعبر كتابه “بلوغ المرام في أحداث ووقائع رمضان” الموصولة بالذاكرة؛ لأنها عصب التاريخ، وموصولة بالإرادة؛ لأنها عصب التغيير، وموصولة بالأمل؛ لأنه مبدأ الوجود.
مناهج التاريخ في مصر
لعل مناهج التاريخ عندنا ترسخ لمفهوم قاصر عن التاريخ، إنه مجموعة من الأسماء والتواريخ التي يجب أن يحفظها الطالب في سبيل الإجابة الصحيحة عن سؤال”علل لما يأتي” في إمتحان آخر السنة.!!، ولكن على المؤرخين والباحثين الذين يصرون على تقديم التاريخ في القوالب القديمة الجامدة أن يدركوا أنهم يطرحون نوعاً من «البضاعة» في سوق لا يريدها، وعليهم أن يسهموا في تقديم «بضاعتهم» في الشكل الذي يناسب العصر، وبالأسلوب الذي يفضله «المستهلك» مع الاحتفاظ بأصول البحث العلمي قاعدة لكل هذه المحاولات وضرورة إيجاد سبل جديدة لقراءة التاريخ .
إقرأ أيضا : أيمن برويز يعيد إحياء التراث المصري بالزجاج المعشق
كتابة مشوقة للتاريخ
وأعتبر نفسي شغوفاً شغوف بالمؤرخين الذين يحكون الحكايات، ثم يشرعون في طرح الأسئلة، أو يحكي ويسأل على شاكلة تجربة كتابات محمد عبد العال؛ لأنه يبرع في التشويق والأسئلة العميقة جدا، ولعل هذا الإيمان بالحكاية هو ما يدفع الأدباء لقراءة مثل هذه النوعية من الكتابات؛ لأن مادتها تساعدهم وتعطيهم أفكارا للكتابة.
جيل جديد من الحكائيين الشغوفين بالتاريخ
صعود جيل محمد عبد العال، وأيمن عثمان ووليد فكري، وحامد محمد، وعبد الرحمن الطويل، وسامح الزهار وغيرهم من الحكائين الشغوفين بالتاريخ جاء في ظل مدرسة تاريخية لا تتفاعل مع الصحافة، ولا تخاطب الجمهور بشكل شائق، وكأنها تتعالى عن ذلك، وإن أرادت فهي غير مدربة على التواصل مع الناس.
وثاني أسباب الإقبال على حكاياتهم للتاريخ من وجهة نظري أن هناك جيلاً من القراء والمهتمين والمتابعين شغوف بمعرفة ماضيه، فهل يمكن أن يتحول تدريس العلوم لدينا إلى منهج تاريخي يبدأ من حكايات التراث مثلاً، ثم ينتقل إلى العصر الحديث بأسلوب تشويقى، يتخلص من الأسلوب العلمي البحت؟.
إن تغيير المنطلقات يبدأ من إعادة النظر في الوسائل، والتعامل المتجدد مع قضايا نعتبرها قديمة، ودمج التراث بما يحويه من حكايات وأساطير في منهجية العلم، بحيث لا يكون التراث في وادٍ ، والعلم والواقع والمستقبل في وادٍ آخر.
إقرأ أيضا : الفنان العراقي علي أمين الطائي يطلق مجموعته الجديدة من الإكسسوارات التراثية
كيف ندرس التاريخ بسلاسة ؟
إنه أمر يقتضى الوصل والاتصال بين التراث مع المستقبل، من خلال توسيع الوعاء الحضاري الذي يشملهما معاً، التصور الأقرب لدي هو تدريس التاريخ بسلاسة كما الحكايات الشعبية .. السلاسة التي تجعل المنطلقات لينة طيعة بلا (فذلكة) تتستر خلف التاريخ؛ فتحيله لعبء على القارىء والدارس والمؤرخ…الكثير من حكايات التراث تتصل أساسا بالخيال، أي بأمر بعيد المنال بل يكاد يستحيل أن يتحقق.
إقرأ أيضا : الفقراء وصروح الرحمة في كتابات المؤرخ آدم صبرة
فاذا ما عدلنا طريقة الحكي والبحث التاريخي ومنهجه استطعنا وصل ما انقطع، والعديد من الأمثلة مثل طاقية الإخفاء أوالبساط السحري والأوامرالصوتية (افتح يا سمسم) أصبحت اليوم حقيقة واقعية بشكل أو بآخر، تقديري لهذا الجيل الذي يدق أبواب التاريخ؛ لأنه يطرح أسئلة ويثير اهتماماً، وقد يطرح أسئلة (مربكة) للناس، وهو أمر إيجابي لإثارة الانتباه لحدث أو لفترة تاريخية ملتبسة، وقد ينتهي بنتائج قد أقبلها أو أرفضها، لكنه يعني أن هناك وجوداً لحركة تاريخية جيدة حتى وإن كانت غير أكاديمية.


الكلمات المفتاحية
#هل ندرس التاريخ بسلاسة كما الحكايات الشعبية؟،#التاريخ،# الحكايات الشعبية،#التراث،#الحكائيين،#تدريس التاريخ،#المؤرخين،#الباحثين، #الدكتور محمد عبد العال،# حكايات التراث #كتاب “بلوغ المرام في أحداث ووقائع رمضان”،#التراث، #الدكتور عمرو عبد العزيز منير، #تاريخ وحضارة العصور الوسطى #جمعية اتحاد المؤرخين العرب،# الحكي، #مناهج التاريخ في مصر