الجميع يدعى أنه يحب الحقيقة، ويبحث عنها طوال الوقت، وهذا الإدعاء لا يجب أن نصدقه على الدوام!
ففي الكثيرمن الحالات نتمسك بأكاذيب جميلة؛ لأن الحقيقة مؤلمة، والمعرفة أيضاً، ولذلك نجد أصحاب المعرفة والفهم يحسدون الجهلاء والأغبياء.
أوكما قال المتنبي في أبياته “ذوالعَقلِ يَشقى في النَعيمِ بِعَقلِهِ وَأَخو الجَهالَةِ في الشَقاوَةِ يَنعَمُ”.
وللأمانة فإن الحقيقة أي ما حدث بالفعل، ونوايا فاعليه، قد لا نعرفها تامة، وكاملة على الإطلاق.
فالنوايا لا يعلمها إلا الله، حتى الكتبة من الملائكة لهم الظاهر من القول، ومن الفعل فقط.
أما الأحداث فكل طرف من الأطراف الحاضرة سيستوعبها على قدر إمكاناته، وسيعيد سردها بناء على هذا الاعتبار إضافة إلى اعتبارات أخرى كثيرة.
إقرأ أيضاً للكاتب : “العصابة .. محاكمة شات جى بى تى”كتاب جديد للمهندس زياد عبد التواب
التاريخ هل يكتبه المنتصرون ؟
لذلك فإن مقولات مثل “التاريخ يكتبه المنتصرون” تعنى ببساطة أن ما هو مسطور في كتب التاريخ ليس الحقيقة كاملة.
ولكن قد يكون ماجاء في الكتب وجهة نظر أو توجيه، وفى أحيان أخرى يتم إخراج أشخاص أو أحداث من المشهد التاريخي تماماً.
أيضاً ولن نجدها معروفة، أو مسطورة إلا على الهامش، وبواسطة المهزومين، هذا إن لم تتعرض للطمس والإتلاف.
كل هذا معروف ومعلوم، وهو ما يعطى وظيفة “التحقيق التاريخي” … ثقلها وأهميتها.
كما يعطى بعض المحققين سمعة، وقيمة أكبر من البعض الآخر، لدرجة أن قرار شراء كتاب تاريخي يعتمد على إسم المحقق أكثر من إعتماده على إسم المؤرخ الأصلي، ونفس الأمر يسرى على كتب التراث الديني أيضا.
في العصر الحالي تلعب وسائل الإعلام، ومن بعدها شبكات التواصل الاجتماعي، وخوارزميات الذكاء الإصطناعي وتطبيقاته دوراً كبيراً في هذا المجال.
إعتقدنا في بدايات تلك الأدوات أنه سيكون دوراً إيجابياً خال من أى سلبيات.
إقرأ أيضا للكاتب : توأم البهجة
الحقيقة و” نظرية المؤامرة” الشهيرة !
ولكن مع الوقت ومع التجربة ومع التدخل البشرى المنحاز تحولت تلك الأدوات في بعض الحالات الى أدوات لنشرالاخبار والمعلومات الخاطئة والمغلوطة.
و لم يقتصر نطاق عملها هذا على الحاضر فقط، بل تخطاه إلى المستقبل و إلى الماضي السحيق أيضاً.
فتم التشكيك في الكثير من الأحداث ومن النظريات والمسلمات، وصولاً إلى إنكار بعضها بالكلية إعتماداً على شماعة ” نظرية المؤامرة” الشهيرة.
ونحن هنا لا ننكر وجود مؤامرات، ولكن يمكن أن نطلق عليها تعبيراً أكثر واقعية، وأكثر منطقية، وهو “الصراعات”.
فالصراعات جزء من الطبيعة البشرية على الأرض، بدأت مع قابيل وهابيل، وستستمر إلى أن يرث الله الأرض و من عليها.
هل معنى ذلك ان الزيف هو سيد الموقف؟، الإجابة المختصرة هي “لا”.
و لكن الأكاذيب كثيرة، وستزداد نتيجة التقنيات الحديثة مثل التزييف العميق Deep Fake وغيرها.
وهو ما يستدعى أن يصبح التحلي بقواعد “التحقيق” فرض عين على كل إنسان يعيش هذه الأيام.
فعليه ألا يصدق وألا يكذب مايطلق عليه الحقيقة إلا بعد أن يبحث و يدقق، و يقارن ويحلل.
فهذه الأدوات، أو فلنقل “الأسلحة” هي السبيل الوحيد للبقاء و للتنمية، هي فقط ولا سبيل آخر.