بقلم : د.زينة عبد العزيز منير
أكاديمية و متخصصة في السياسات البيئية – جامعة فرايبورغ ألمانيا
تتجه أنظار العالم إلى دبي حيث ينعقد المؤتمر الثامن و العشرين للدول الأطراف فى اتفاقية باريس لمكافحة تغيرالمناخ. تتركز المفاوضات حول قضايا رئيسية تتمثل فى :التخلص التدريجي أو التقليل من استخدام الوقود الأحفوري , بناء قدرة المجتمعات المحلية للتكيف مع تأثيرات المناخ و تقديم الدعم المالي للدول الضعيفة التي تواجه خطر التغير المناخي.
و فى إطار هذا الزخم الذي تشهده أروقة المؤتمر حول القضايا السابق ذكرها، يشير المراقبون و المحللون أن السرديات التى تسيطر على أجواء المفاوضات تنقسم إلى عدة سرديات رئيسية تتفاوت بين التركيز على الدلائل العلمية و حتمية تسريع التخلص من الوقود الحفرى و التوسع فى استخدام الطاقات المتجددة لوقف الإنهيار المناخى و البعض يركز على الجانب الأخلاقى و حتمية أن تتحمل الدول الكبرى مسئوليتها التاريخية فى انبعاثات غازات الدفيئة التى سببت أزمة المناخ و سرديات اخرى تركز على الفرص و إمكانية تضافر الجهود الدولية لحل أزمة المناخ. إن فهم هذه السرديات دون انكار شرعيتها يفتح أبواب الحوار و البحث عن نقاط تلاقى بين وجهات النظر المختلفة لخلق نوع من الحوار الهادف الذى يهدف إلى حل المشكلة بدلا من مواصلة القاء اللوم و الإتهامات بين أطراف عديدة دون الوصول إلى اتفاق موضوعى قابل للتنفيذ.
قد يهمك أيضا : كيف تتولد الأفكار في رؤوسنا؟ (azwaaq.com)
فى هذه المقال سوف أعرض السرديات المختلفة التى تسيطر على أجواء المفاوضات و التى تشكل مسار الحوار و النقاش على خطط العمل و السياسات التى يمكن صياغتها لمواجهة أزمة المناخ:
أولا: الرواية العلمية
أساس هذه السردية هى التقارير العلمية التى قام بها باحثون متخصصون فى هيئات علمية مختلفة أبرزها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ و التى اشارت بوضوح إلى ضرورة خفض درجة حرارة الأرض الى 1.5 درحة مئوية و أن تجاوز هذه النسبة سوف يؤدى إلى تأثيرات لا رجعة فيها. تظهر دراسات متعددة منشورة في مجلات علمية خاضعة لمراجعة النظراء يتفق أكثر من 97% من علماء المناخ أن اتجاهات الاحترار المناخي خلال القرن الماضي تعود إلى الأنشطة البشرية.فى هذا الصدد, اتفق السواد الأعظم من العلماء و باحثى المناخ إلى ارتفاع متوسط درجة حرارة سطح الأرض بحوالي 1.8 درجة فهرنهايت (1.0 درجة مئوية) منذ عام 1880 و أنه منذ ذذلك الوقت, زادت كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي من حوالي 280 جزءًا في المليون إلى 410 جزءًا في المليون في عام 2019 وأن مصدر ثاني أكسيد الكربون و غيره من غازات الدفيئة هى الأنشطة البشرية المختلفة و زيادة الإعتماد على الوقود الأحفورى. بالإضافة إلى ذلك، توقعت معظم المنظمات العلمية الرائدة في جميع أنحاء العالم أن استمرار الأنشطة البشرية الملوثة للبيئة سوف يؤدى إلى حدوث الإنهيار المناخى و تفاقم ظواهر مختلفة مثل ارتفاع مستوى سطح البحر, الفيضانات, التصحر و ندرة المياه, الموجات الحرارية, و فقدان التنوع البيولوجى و غيرها من الكواراث الطبيعية التى نشهدها بالفعل خلال السنوات الأخيرة.
ثانيا: الرواية الأخلاقية
إن الأطروحة المركزية للسرد الأخلاقي هي العدالة البيئية وضرورة أن تتحمل الدول المتقدمة صاحبة النصيب الأكبر من غازات الدفيئة مسئوليتها التاريخية فى إحداث التغير المناخى الذي يتحمل تبعاته الدول و المجتمعات الفقيرة. فعلى سبيل المثال, على الرغم من أن أفريقيا تتحمل الحد الأدنى من المسؤولية عن ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث أن 3٪ فقط من إجمالي انبعاثات الكربون العالمية تأتي من أفريقيا، فإن ما يصل إلى 118 مليون من أفقر سكان القارة يواجهون أحداث مناخية متطرفة مثل الفيضانات والجفاف وإزالة الغابات وارتفاع منسوب مياه البحر. بالإضافة إلى ذلك، تعد بلدان أفريقيا من بين أقل المناطق قدرة على التكيف مع تغير المناخ في العالم، حيث تؤدى الكوارث المناخية الى أضرار بالغة على الأقتصاديات الوطنية و سبل العيش للمجتمعات الأفريقية. و جانب أخر من السردية الأخلاقية حول تغير المناخ هو الإنتقال العادل و ضرورة أن لا تؤدى حلول أزمة المناخ الى تحمل الدول الفقيرة و النامية أعباء جديدة. في ظل هذا الافتراض، فإن الدعوات إلى العدالة المناخية في أفريقيا تعني ضمنا أن الملوثين الرئيسيين في الشمال العالمي بحاجة إلى تقييم الأضرار المناخية الناجمة عن انبعاثاتهم التاريخية وتعويض المجتمعات المتضررة عن الأضرار الماضية وتحسين سبل العيش وقدرة المجتمعات الضعيفة في أفريقيا على الصمود. و فى هذا الإطار, يعد اتفاق الدول الأطراف فى اتفاقية باريس للمناخ عن تفعيل صندوق التعويضات الخسائر فى اليوم الأول من قمة المناخ فى دبى خطوة تاريخية فى هذا الإتجاه و التي ستساهم فى تحقيق العدالة البيئية عالميا.
قد يهمك أيضا : كيف تتولد الأفكار في رؤوسنا؟ (2) (azwaaq.com)
ثالثا: رواية استغلال الفرص
تركز هذه الرواية على الجوانب الأيجابية و التى يمكن التمسك بها و تطويرها من أجل مجابهة أزمة تغير المناخ. تعتمد هذه الرواية على أن البشر فى أوقات الأزمات و المخاطر يظهرون نوعا من التضامن و التضافر من أجل الصمود و التغلب على هذه المخاطر. و فى اطار أزمة المناخ, تعتبر الجهود البشرية فىما يتعلق بتطوير التكنولوجيا الخضراء التى تسهل مسار الإنتقال الأخضر إلى اقتصادات مستدامة من أبرز الإنجازات البشرية التى يمكن أن تخلق فرصا هائلة لمواجهة ظاهرة تغير المناخ. ويقدر تقرير صادر عن شركة Allied Market Research أن قيمة سوق التكنولوجيا الخضراء والاستدامة العالمية ستبلغ أكثر من 74 مليار دولار بحلول عام 2030. وتتمتع التكنولوجيا الخضراء بالقدرة على ضمان مستقبل أكثر استدامة من خلال خلق بدائل منخفضة الكربون فى الصناعات المختلفة؛ أنظمة الطاقة المتجددة؛ تكنولوجيا عزل الكربون و تخزينه ؛ تقليل النفايات وإعادة استخدامها وإعادة تدويرها و غيرها من أنواع التكنولوجيا الخضراء.. وفقاً لتقديرات مؤسسة ماكينزي، فإن التوسع فى استخام التكنولوجيا الخضراء من شأنه المساهمه بنحو 60% من تخفيضات الانبعاثات المطلوبة لتحقيق استقرار المناخ بحلول عام 2050.
قد يهمك أيضا : الحياة مع الكتب : متعة الفكر وسفر التأويل (azwaaq.com)
بالإضافة الى الدور الذي تلعبه التكنولوجيا الخضراء فى تعظيم الفرص لمجالهة تعير المناخ, فإن الأهتمام الدولى الذي أصبحت تحظى به قضية المناخ يعتبر فى حد ذاته فرصة لتكاتف الجهود الدولية لتسريع خطط العمل المشترك و تقديم الدعم المادى و التكنولوجي لبناء قدرات الدول و خصوصا الفقيرة للتصدى الى مخاطر تغير المناخ و هناك العديد من المبادرات الدولية و برامج التمويل اللإقليمية و الثنائية فى هذ الصدد. على سبيل المثال, فى أفريقيا, أطلقت مجموعة بنك التنمية الأفريقي مبادرة انتقال عادل في ديسمبر 2021 من أجل تسريع التحول إلى تنمية منخفضة الكربون وقادرة على الصمود في وجه تغير المناخ. بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء برنامج التحفيز الأخضر الأفريقي في عام 2021 كوسيلة لتعزيز برامج التكيف مع المناخ وتوسيع نطاقها، وتعزيز نشر الطاقة المتجددة وتنمية الاقتصادات الخضراء. فى أوروبا تعكس الصفقة الخضراء الأوروبيةEuropean Grean Deal طموح الاتحاد الأوروبي لإنشاء أول قارة محايدة للانبعاثات من خلال خفض صافي انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 55 في المائة على الأقل بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 1990 وتحقيق صفر انبعاثات من الغازات الدفيئة بحلول عام 2050. في حين أن التركيز الرئيسي للصفقة الخضراء ينصب على الاتحاد الأوروبي، فإنه يعني ضمنا أن العمل المناخي والتحول الأخضر سيكونان محورين رئيسيين في التعاون بين أوروبا وأفريقيا . فى هذا الصدد, بالنسبة لدول شمال أفريقيا، اعتمد الاتحاد الأوروبي أداة أوروبا العالمية، بميزانية أولية قدرها 79.46 مليار يورو للفترة 2021-2027، في شكل منح ومساعدة فنية وأدوات مالية لدعم النمو المستدام بما في ذلك برامج المرونة المناخية والمشاريع الخضراء.
الخلاصة: سرديات أزمة المناخ فرصة للحوار و التقارب و ايجاد الحلول
السرديات السابق عرضها ليس الهدف منها اظهار الخلاف أو القاء الشكوك على مدى أهمية و جدية المفاوضات الدائرة فى كوب 28. إن هذا الإختلاف هو فرصة للتنوع و التقارب و التركيز على النقاط المشتركة التى قد تدفع الجهود الدولية لإيجاد حلول جماعية و مُلزمة لحل أزمة المناخ. إن تأكيد محاذثات كوب 28 أن أزمة المناخ هى أزمة وجود يرتبط حلها ببقاء البشر وأن مجابهة المناخ هو التزام دولى يُمهد الطريق الى الوصول الى حلول ناجزة و فعالة لمجابهة هذه الكارثة البييئة مهما اختلفت الروايات و السرديات التى تدور فى أروقة المؤتمر. ان استمرار ظهور سرديات و روايات مختلفة حول أساليب و طرق مكافحة تغير المناخ أمر متوقع و لكن لا يجب أن تكون هذه السرديات المتباينة عقبة فى طريق أخذ خطوات ناجزة و فعالة لحل أزمة المناخ و هذا ما يتطلع المجتمع الدولى للتعرف عليه بإنتهاء موتمر كوب 28 خلال الأيام المقبلة.