“لام شمسية” والمرآة التي تفضحنا في زمن اعتادت فيه الدراما أن تهادن الجمهور، وتمنحه إجابات سهلة عن إسئلة الحياة المعقدة.
جاء مسلسل “لام شمسية” ليضرب هذه القاعدة بكل جرأة، فلم يقدم حكاية مسلية، أو نهاية مريحة.
بل اختار العمل الدرامي أن يكون مرآة مشروخة لمجتمع مهزوم بالصمت.
إن “لام شمسية” عملاً لا يريد منك أن تُحب شخصياته، بل أن تراقبها، وتخاف من كمّ القبح المختبئ في ما نظنه طبيعياً، مألوفا، و”عادياً جداً”.
إقرأ أيضاً للكاتب : مفارقات الحياة .. حين تصبح البساطة معقدة !
“لام شمسية” .. أبطال يشبهون الجمهور
منذ اللحظة الأولى يوحي المسلسل بأننا في حضرة شيء مختلف، لا صراخ درامي مفتعل، لامبالغة في الأداء التمثيلي.
و لا أبطال من طبقة أو فئة خاصة، إنما هم ناس يشبهوننا حد الألم.
عائلة صغيرة من تلك التي تراها كل يوم في النادي أو في مدرسة خاصة تبدو على ما يرام.
لكن خلف كل ابتسامة لأفراد هذه الأسرة، صورة قديمة مطوية، وكل بيت أنيق فيه باب مغلق على وجع لا يُقال.
شخصية “وسام” أو محمد شاهين
و لم تكن شخصية وسام التي أداها محمد شاهين شديدة السواد، إذ يظهر كرجل عادي. ودود، محترم، موثوق.
و هنا تماما تكمن رعب الشخصية؛ لأنه مألوف؛ لأنه قريب، شاهين لم يمثل الدور بل عاشه ككابوس مستمر. ووفقا لدوره يبتسم الجاني بثقة ويتكسر الضحية بصمت.
و في كل مشهد كان يذكرنا المسلسل أن المتحرش لا يأتي من خارج الحدود، إنما من قلب العائلة.
أو ربما هذا الشخص هو قريب، قريب جداً كصديق العمر أو هو بمثابة الوالد.
شخصية نيللي في “لام شمسية”
أما نيللي التي جسدتها أمينة خليل في مسلسل “لام شمسية”، فقد كانت الوجه الآخر للوجع.
وحتى قبل ولادة إبنها “يس” كانت إمرأة لم تختر أن تكون أماً، لكنها وُضعت في اختبار الأمومة القاسي دون سابق إنذار.
و نجد أن أمينة خاضت معركة خاسرة مع نفسها أولاً، ثم مع مجتمع لا يرحم ثانياً، ثم مع وحش نائم في بيتها ثالثا.
وكانت مشاهد أمينة مع الطفل يوسف اعتراف علني بأن الحب لا يحتاج قرابة.
وأن الغريزة كذلك قد تسقط إذا لم تدعمها الإنسانية، وبرعت أمينة خليل في أداء ئخصية نيللي بكل صراعها النفسي، ومعانتها.
أداء الطفل علي البيلي لشخصية يوسف
أما يوسف الذي لعب دوره الطفل علي البيلي فكان قلب المسلسل النابض.
لم يقدم يوسف دوره كضحية ضعيفة، بل كإنسان تعرض للأذى، واستطاع مواجهة ماتعرض له بمساندة الأهل.
نظرته، طريقته في الكلام، وحتى صمته، كانت تخبرنا أن الطفل يرى ويسمع ويفهم وإن لم يتكلم، وإن لم يُصدق يكبر مكسوراً.
إقرأ أيضاً للكاتب : لماذا أعجبني مسلسل”وتر حساس”.. برغم الهجوم عليه؟!
“لام شمسية” صرخة ضد الصمت
والعمل ككل هو صرخة في وجه التواطؤ لا التحرش وحده.
إذ أن المتحرش نتيجة طبيعية لصمت طويل في المجتمع وتساهل دائم وخوف مزمن من الفضيحة.
ولذلك لاحظ أن المسلسل لم يقل لنافقط “إحذروا المتحرشين”، إنما قال لنا بوضوح: “إحذروا سكوتكم”.
فكل شخصية صامتة في العمل كانت شريكة في الجريمة.
من الأب الذي لم يصدق إلى الصديقة التي شكّت ثم تجاهلت إلى الجدة التي اختارت راحة البال على ألم المواجهة.
عدم الارتياح
في كثير من المشاهد بدا أن العمل يريدك أن تشعر بعدم الارتياح .. الإضاءة الرمادية، الموسيقى الثقيلة، الكاميرا القريبة من الوجوه.
كلها أدوات استخدمها المخرج كريم الشناوي ليحاصرك نفسيا؛ أنت لست مُشاهدا مرتاحاً، بل شاهدا على جريمة مستمرة.
نهاية “لام شمسية ”
وهذا بحد ذاته موقف فني وإنساني جريء، ومع ذلك لم يكن العمل مثالياً؛ هناك لحظات فُضلت فيها الصدمة على التفسير، ولقطات أخرى حاولت أن تقول أكثر مما تملك من أدوات.
على سبيل المثال ظلت شخصية رباب غامضة دون وظيفة واضحة، وكان يمكن الاستغناء عنها دون أن يتأثر البناء الدرامي.
وكذلك نهاية المسلسل جاءت سريعة كأنها أُنجزت في سباق مع الوقت، وهو ما أضعف أثرها رغم ما فيها من قوة رمزية.
لكن هذه العثرات لا تقلل من قيمة المسلسل بل تُذكرنا أنه عمل صادق، لا يسعى للكمال، بل للصدق.
إقرأ أيضاً للكاتب : 4عادات للأشخاص الأكثر فعالية … من وحي كتاب ستيفن كوفي
دعوة للمواجهة
“لام شمسية” ينبه إلى خطورة ثقافة إعادة إنتاج العنف، وتزيين الصمت، والخوف من الحقيقة.
هو دعوة للمواجهة لا للنقاش فقط، وأن ترى نفسك في مرآة العمل فتخاف، وتتألم وربما تتغير.
إذ أن هذا المسلسل ببساطة لا يقدم لك حلا بل يعيدك إلى سؤالك الأصلي: ماذا لو كان هذا الطفل في بيتك؟.
بل ماذا لو كنت أنت الصامت الذي انتظر كثيرا؟ وماذا لو كان وسام بكل هدوئه وابتسامته، أقرب إليك مما تظن؟! ..