بقلم الدكتور أيمن زهيري
إذا لم يكن القلق الذي يعاني منه الطفل قلقا عاما كمثل ذلك القلق الذي نعيشه جميعاً، ولكن بدرجات متفاوتة، وفي ظروف مختلفة تجاه المستقبل والدراسة والامتحانات والنتيجة وغير ذلك ممانعتبره بمثابة طاقة محركة للحياة.
وإذا لم يكن كذلك قلقاً واقعياً كإستجابة وجدانية حادة لتهديد أوخطر خارجي محدد ومعروف يزول بزوال السبب، وإذا لم يكن أيضاً مصاحبا لمرض عضوي، كأمراض الغده الدرقية والكظرية ونقص السكر وأمراض القلب والأورام، أوكان أثراً جانبياً لأدوية التشنجات أوعرضاً إنسحابياً لبعض الأدوية المخدرة، فإن الأمر هنا يتعلق بحالة نفسية عليك أن تنتبه إليها وتراقبها لدى طفلك.
ما هو القلق المرضي؟
يتمثل القلق المرضي في الشعورالمستدام بالقلق والتوترمع توقع وتحفزوترقب للأسوأ دائماً، وخوف غير مبرر، أواختلاق تبريرات واهية لأشياء أومواقف أوأشخاص بشكل مبالغ فيه مصاحباً لأعراض جسدية ونفسية قد تظل منفردة أو ممهدة أو مصاحبه لأمراض نفسية أخرى.
أسباب القلق المرضي
تتلخص أسباب القلق المرضي في عامل الوراثة، أوعدوى القلق من أحد الوالدين، أو الاستعداد النفسي نتيجة ظروف بيئية كالأزمات والصدمات والكوارث، وكذلك قد يكون من أسبابه الشعوربالذنب، أوالخوف من العقاب أو بسبب الحلول الخاطئة للمشكلات، أو المواقف الضاغطة كالوحدة والحرمان وعدم الشعور بالأمان أوالتفكك الأسرى.
وتلعب كذلك أساليب التربية الخاطئة كالقسوة والتسلط أوالحماية الزائدة دورا في إصابة الأطفال بالقلق المرضي، وكذلك قد يؤدي فقد عزيزأوتغييرالمنزل أوالمدرسة إلى هذا النوع من القلق.
قد يهمك أيضاً : نصائح ضرورية عند اختيار ملابس الحمل … اتبعيها (azwaaq.com)
الأعراض الجسدية للقلق المرضي
وتظهرأعراضه الجسدية غالبا في المواقف المشابهة لمخاوفه، كتصبب العرق وخفقان القلب، وصعوبة التنفس وفقدان التوازن وجفاف الحلق والفم وارتعاش الأصابع.
كما قد يعاني الطفل من أعراض مزمنة بسبب القلق المرضي، ومنها الصداع والأرق وفقدان الشهية وتوتر العضلات وآلامها، ونوبات التنهيد وعسر الهضم، بل قد تتطور إلي لزمات حركية عصبية وزيادة الحساسية للصوت والضوء والضعف العام وتنميل وخدر الأطراف والتعب عند الاستيقاظ ونقص الطاقة والمثابرة وإدمان الانترنت واضطرابات الجنس وربما تعاطي المواد المخدرة في البالغين.
الأعراض النفسية للقلق المرضي
أما أعراض القلق النفسية فتتمثل في العصبية الزائدة عن الحد الطبيعي، وعدم الشعور بالراحة والحساسية الزائدة وسهولة الاستثارة والهياج والفزع لأقل الأسباب، والشك والارتباك والتردد والتشاؤم وتوهم المرض، فضلاً عن الشرود وعدم التركيزوإضطراب قوة الملاحظة وضعف القدرة على الإنجاز والسلوك العشوائي وعدم التوافق الاجتماعي.
وقد تتطور هذه الأعراض النفسية المصاحبة للقلق المرضي عن طريق ميكانيزمات الدفاع، كاختلاق موقف رمزي أو تكوين عكسي بإخفاء ما يبطنه، واستبدال الشئ بنقيضه واستدماج فكره الحب والكره، وهو ما يقود نصف الحالات إلي الإصابة بالإكتئاب؛ فيعاني الصغير من إنخفاض المزاج، والبكاء وإضطرابات النوم والشهية وعدم الاستمتاع بأي شئ كان يستمتع به في السابق.
وقد يبدأ في توجيه إسئله تتعلق بالكيان الوجودي، مثل من أنا ولماذا أعيش؟، أو يلجأ للحيل لتخفيف الألم الذي لا ينتهي؛ فيتوهم خيالات وهلاوس سمعية وبصرية، وتكمن خطورة ذلك في إنه قد يقوده إلي الذهان والوسواس القهري ما لم يتم خضوعه للعلاجالطبي والرعاية الأسرية.
تأثير القلق المرضي على أنشطة الطفل
يمتنع الطفل الذي يعاني من القلق المرضي عن ممارسة نشاطاته اليومية ويميل إلى العزلة
وتنعكس هذه المعاناة على نشاطات الطفل وأنماطه الحياتية، وتواصله مع البيئة المحيطة؛ فتزداد فترات تغيبه عن المدرسة ويتأخردراسياً، ويمتنع عن تدريبه في النادي أو ممارسة هوايته، أو تزيد حركته ويقل انتباهه أو يفقد تواصله البصري ويفضل الوحدة.
كما قد يستخدم الطفل اللغة بطريقة غير مناسبة، أوتزداد حدة غضبه إذا لم يتحقق له أيا من الوعود الأبوية الروتينية؛ وهو ما يقوده إلي طيف التوحد، أو حدوث إضطرب في إدراكه؛ وهو ما قد يقوده بدوره إلي الفصام.
دور الأسرة في مراقبة الطفل الذي يعاني من القلق
يجب ملاحظة الطفل ملاحظة شديدة ومتواصلة، ومراقبة مدى اهتمامه أوعدم بالنظافة، والاستحمام وتغيير ملابسه وتعريه وإنعزاله، وإدمانه للألعاب والإنترنت وانتظامه في الدراسة، والفعاليات الاجتماعية، والانتباه إلى أي محاولة لإيذاء نفسه؛ حيث يجب إحالته إلي الطبيب النفسي.
قد يهمك أيضا : قصور وظائف الكلى لدى الأطفال ..الأسباب و الأعراض (azwaaq.com)
من هنا يبدأ علاج القلق المرضي
يعتمد العلاج النفسي على التواصل الجيد مع الوالدين أولاً، وتوضيح أن القلق شعورطبيعي، وأن هناك اختلافات شخصية بين الأفراد تجاه المواقف الجديدة، وطريقة استقبال الخطر، ولكن يجب ألا يُهمل؛ وذلك لأنهما يلعبان دورا كبيرا في علاج الطفل، واستكمال دور الطبيب النفسي.
ولابد للأسرة من مساعدة الطفل على ممارسة الرياضة، واللعب خارج المنزل، والاهتمام بغذائه المتوازن ونومه لفترة كافية، كما أنه من الضروري التقاء أفراد الأسرة في جلسات يغمرها الدفء والحب.
وعلى الوالدين تعريف الطفل بمواطن القوة في شخصيته وتشجيعه بصفه مستمرة، والتقرب التدريجي مما يشكل له خوفا عن طريق شخص يثق فيه؛ حتى يتعوده الي أن تعود ثقته بنفسه من خلال الإقناع والدعم والمشاركة، ويقطع دائرة الخوف عبر إظهار أسباب القلق المكبوتة، وحل الصراعات، مع العمل على وقف لزماته العصبية كمص الأصابع، وقضم الأظافر، و”عصر”حبوب الوجه، وهزات الرأس والعنق، ورمش العينين، وتقطيب الجبهة وفتل الشعر.
كما تستدعي بعض الحالات الاستعانة بالعلاج الدوائي والاجتماعي ـ يحدده الطبيب المتخصص ـ كعلاج مكمل للعلاج النفسي، و الذي يعتبرالأساس في علاج القلق المرضي، و دمتم بخير.