بقلم : دكتور أحمد توفيق
سواء أعجبك ذلك أم لم يعجبك فإن الأفكار تتولد باستمرار في رؤوسنا، حتى عندما نحاول ألا نفكر أوأثناء نومنا، وعلى الرغم من أننا كنا نفكر ونبحث في الأمر لأكثر من 5000 عام، إلا أننا ما زلنا لا نعرف كيف تنشأ الفكرة؟! وماهي بالضبط مهما تعمقت في النظر في دماغك فلن تجد الفكرة أبدا، ولا يمكنك لمس التفكير أوقياسه!.
لكن كيف يمكن لدماغنا أن يصنع صورة أو صوتا في رؤوسنا؟
تمتلك أدمغتنا الكثيرمن القوة لقد أنشأنا تاريخا كاملا من 100,000 عام قائم على لا شيء فقط بناء على الأفكار المجردة التي تخرج من أذهاننا، وهناك نهضة في التعرف على هذه الظواهر، يمكننا الآن فك شفرتها على المستوى البيولوجي والعصبي، إلا أن قوة أفكارنا عظيمة، لدرجة أن دولة تشيلي أقرت حمايتها في القانون منذ عام.2021!
الأفكار قوية جدا ومع ذلك يمكننا التحكم في أفكارنا مما يجعلنا أقوياء للغاية، لكن كيف نتحكم في أفكارنا خاصة عندما يكون معظمها عفوياً وكيف يمكننا تحويل قوتها لصالحنا؟.
تمتلك دماغنا 86 مليار خلية وأكثر من تريليون اشتباك عصبي؛ فهو العضو الأكثرتعقيدا في العالم،كيف يفكرهذا المزيج من الماء والبروتين والدهون والفيتامينات والكوليسترول في أشياء مثل الصواريخ والإنترنت والذكاء الاصطناعي؟.
ولكن كيف يفكر الدماغ .. هذا هو أعظم لغز يواجهه العلم ولا يوجد تفسير جيد لكيفية عمله بالضبط!
لقد اعتقد المصريون القدماء أن الدماغ مجرد كتلة، وأن الأفكار تأتي من القلب، وافترض الإغريق القدماء أن الدماغ هو نوع من وحدة تبريد الدم، وأن الأفكار تأتي من الغدد.
قبل 200 عام عندما أصبح عالمنا أكثرميكانيكية تبلورت الفكرة بأن آلة داخلية هي التي أنتجت أفكارنا، وفي القرن الماضي عصر الدوائرالإلكترونية تخيل الناس أن الدماغ يعمل بالتفريغ الكهربائي، كانت تلك الأفكار مثل وميض كهربائي للإلهام، والآن في الألفية الجديدة “عصرالذكاء الاصطناعي”فإن المبدأ هو أن الأفكار تأتي بطريقة ما من شبكاتنا العصبية، في حين أن هذا ليس خطأ بالتأكيد إلا أنه ليس صحيحا بما يكفي لفهم كيف يفكرالدماغ بالفعل.
لا يمكنك رؤية التفكيرعندما تنظرداخل رأسك!و لايمكن لمسه أوقياسه، إنه نمط نشاط حالة عابرة تأتي وتذهب، لا يزال الباحثون في جميع أنحاء العالم يختلفون حول ما إذا كان ماديا، أم لا تعتبر توقف هذه الأفكارعن التدفق عندما يموت الدماغ البشري دليلا قويا على أن الأفكارمتصلة بالمادة، وعندما تتوقف الخلايا العصبية عن التواصل، يتوقف التفكيرأيضا، لكن إذا ارتبطت أفكارنا بمادة دماغنا، فماذا لوكان العكس صحيحا أيضا أن أفكارنا تؤثرعلى مادة دماغنا.
عندما نولد تتكون أدمغتنا من مسارات فقط تربطها ترابطات عصبية بسيطة، تتوسع بمرور الوقت، وعندما نستخدم طريقا بشكل مستمر فإننا نوسعه ونمهده ونفرع منه المزيد من الممرات، وفقا لتفكيرنا يتم بناء أو تفكيك طرق جديدة، حتى يتغير حجم دماغنا نفسه.
ولكن حتى منتصف القرن ال 20 افترض الناس أن الدماغ له بنية ثابتة تتغير بعد بلوغ سن الرشد، لكن ذلك الاعتقاد خاطئ نعم أعظم كذبة في تاريخ البشرية هي أن نعتقد أن الانسان المسن لا يتعلم حيلا جديدة؛ نحن نتعلم حتى نموت؛ لأن هذه الأوركسترا التي تسمى الدماغ تتكيف باستمرارمع ما يحدث حولها، وهذه هي المرونة العصبية.
لكن أفكارنا وحدها لا تغير أدمغتنا، بل تؤثر قوتها عليها بالكامل، تستخدم أنواع مختلفة من الأفكار، ناقلات عصبية مختلفة الأفكارالإيجابية، على سبيل المثال تستخدم الدوبامين أوالسيروتونين، والأفكارالسلبية أو التوترتستخدم النورأدرينالين أوالأدرينالين.
كل هذه المواد تؤثرعلى ما نشعربه، إذن هل يمكن أن تكون الأفكارهي المفتاح لخزانة الطب الداخلي الخاصة بنا؟، إنها مخزون يتوفرفيه كل ما نحتاج اليه؛ لنصبح سعداء وبصحة جيدة، من الأمثلة البارزة على قوة التفكيرتأثير”العلاج الوهمي”، وصف “أبو قراط” قوة أفكارنا ومشاعرنا ب”العمليات الصحية”، ومع ذلك فقد تم إهمال هذه الآثارإلى حد ما في القرون الأخيرة.
لكن حين تمكن العلماء من رؤيتها باستخدام تقنيات التصويرغيرالغازية،و ظهرهذا البحث كان هذا يسمى ذات مرة بالخيال منذ أن تمكنا من فك شفرة العمليات العصبية أصبح من الواضح أن أفكارنا تسبب تغييرات فينا بالفعل كل ما نعتقده عن العلاج الوهمي، يميل إلى فتح نوع من الصيدليات الداخلية، وتحتوي صيدلياتنا الداخلية على ترسانة كبيرة من الرسل والأدوية،و هناك رسل تتحرك بناء على الألم وتؤثرعلى مزاجنا و دوافعنا.
وتؤثر بعضها على نظام الدورة الدموية لدينا وكيفية شعورنا بالتوتر، ويؤثرالبعض الآخر على جهاز المناعة، ويؤثر “العلاج الوهمي” على الأعراض والمرض الذي أوجهه إليه، لكن ما يحدث بالضبط في الدماغ والجسم حيث يتم تشغيل العلاج من الصيدلية الداخلية لم يعرف بعد، بسبب العديد من تأثيرات “العلاج الوهمي” تتأثرأفكارنا بالعديد من الأشياء من معاطف المختبرإلى الدعائم الصحيحة وحتى لون العقاقير؛ فالعقاقير الحمراء أفضل من الزرقاء والعقاقير الصفراء مفيدة بشكل خاص لعلاج الاكتئاب، وهي منتجات ذات علامات تجارية باهظة الثمن.
الحقن أكثرفعالية من العقاقير، وإذا كان الأطباء لطفاء فإن “العلاج الوهمي “يعطي بعض الفعاليات كلما إزدادت الدرجة على العلاج تزداد كثافة هذا العلاج،و ليس من المستغرب أن تحدث تأثيرات “العلاج الوهمي” القوية جدا من خلال العمليات الجراحية الوهمية.
على الرغم من أن نجاح الجراحة الوهمية لم يثبت حتى الآن إلا في التهاب مفاصل الركبة وعلاجات داء باركنسون فلا يزال من المدهش أن ينخدع دماغنا بسهولة إذا هل علينا أن نفكر في الشيء الصحيح ونترك الباقي لأدمغتنا؟!.
الأمرليس بتلك البساطة انها تفاعلات معقدة بين الدماغ والجسم ويختلف تأثيرها حسب الأعراض والمرض الأساسي ومن مريض لآخر مع الألم والاكتئاب تكون التأثيرات مأساوية، لكن في مجالات أخرى لا نعرف حتى الآن وفي مناطق أخرى سيكون من الجنون المطلق الاعتماد على قوة الأفكار، إذا كان لديك كسر مركب في أسفل الساق فماذا يمكن لقوة الأفكارأن تفعل؟ .