في السنوات الأخيرة تغولت وانتشرت بشكل كبير كوميديا السخرية والاستهزاء والتنمر، وارتكزت الكوميديا بشكل كبيرعلى هذا المدخل كأسلوب أساسي ومصاحب للعمل الفني من بدايته إلى نهايته، وبصرف النظر عن أن هذا الأمر يدل على غياب الابتكار وفقر كبير في الرؤى والتوجهات الفكرية إلا أن ما يعنينا هو الأثر التربوي الخطيرالذي يمكن أن تسببه مثل هذه الأعمال؛ ففي الوقت الذي تتخذ فيه الدولة إجراءات حاسمة لمواجهة التنمر والحفاظ على كرامة وحرية الأفراد وفي الوقت الذي تقدم فيه المدرسة مادة تعليمية مضادة للتنمر والعنصرية تقدم مثل هذه الأعمال!.
والكارثة الكبرى انها تقدم في إطار كوميدي وحالة السعادة والمرح المصاحبة لتلقي مثل هذه الرسائل السلبية المتضمنة في العمل وتعمل على تمثلها بشكل أسرع في شخصية الأفراد، وتوحي لهم من خلال مشاهدة حالة السعادة والاستمتاع لدى الآخرين أيضاً أن هذه السلوكيات السلبية مقبولة ما دامت تقدم بهدف الإضحاك ونشر الفكاهة، ذلك في الوقت الذي تمثل فيه كوميديا ضد الإنسانية .
.
وذلك نطلاقاً من أن “الغاية تبررالوسيلة”، وهذا درس آخر يتعلمه المشاهد لا يقل خطورة عن درس إيلاف التنمر والسخرية والعنصرية والطبقية والاستعلاء التي يتعلمها من خلال مشاهدة العمل الكوميدي، في حين إن الكوميديا النظيفة والتي تخلو من مثل هذه السلبيات يمكنها أن تضيف كثيراً لشخصية الأفراد؛ فالضحك ليس ممنوعاً والبهجة ليست محظورة، ولكنها يجب أن تقدم بشكل يفيد المجتمع ولا يضره، يبنيه ولا يهدمه، يحافظ على الأخلاق والقيم ولا يهدمها .
ويمكن توظيف الكوميديا النظيفة لبناء المجتمع وتحفيز أفراده وتثقيفهم أيضاً، والتنمر والسخرية والتندر بعاهات الناس ونواقصهم أمربلا شك غير قانوني وغير إنساني وغير أخلاقي، ولا يمكن تبريره برضا المتنمر عليه؛ لأنه هنا لا يمثل نفسه كشخص وإنما يمثل فئة تشبهه وينسحب عليها ما يلاقيه من سخرية وتهكم واستهزاء وانتقاص من قدره.
وشئنا أم أبينا فإن أطفالنا يتعلمون من هذه المشاهد، وتتشكل سلوكياتهم وبنيتهم المعرفية، ولعل ما نشاهده من جنوح ظاهر أو كامن في سلوكياتهم أو ما نلاقيه من صعوبة في إقناعهم بالحق والخير والصواب مرده أساسا إلى حالة عدم اليقين التي تسيطرعلى معتقداتهم وأفكارهم؛ ولذلك نعتبرها كما أشرت كوميديا ضد الإنسانية.
ذلك أن حالة التناقض التي يلاقونها في المجتمع والتي تجرم الفعل تارة وتهش له تارة أخرى وتذمه تارة وتمدحه “تارات”… هذه الحالة تجعل أفكارهم مشوشة وغير مستقرة ومعتقداتهم عن الصواب والخطأ ضعيفة وهشة وغير راسخة؛ وبالتالي لا يوجد اقتناع تام بصواب الصواب أو خطأ الخطأ.
لذا علينا أن نراجع أنفسنا وأن نبادر إلى تشجيع الفن النظيف الذي يبني المجتمع ويطوره وأن نوفر له كل الدعم اللازم والتشجيع؛ ونقف ضد الكوميديا ضد الإنسانية؛ ضماناً لقيامه بدوره في تشكيل وعي ووجدان الأبناء بشكل صحيح .