بقلم : شحاته زكريا
الكلمات ليست مجرد حروف تخرج من أفواهنا، بل هي أداة قوية تمتد تأثيراتها إلى أعماق النفس البشرية. فالكلمات تبني وتكسر، ترفع وتخفض، تداوي وتجرح، الكلمات تصنع الحياة.
عندما نُدرك أن كلمة واحدة قد تكون كافية لتغيير مسار حياة شخص أو تدمير نفسيته نجد أنفسنا أمام مسؤولية كبيرة؛ و المسؤولية ليست فقط في النطق بالكلام بل في اختيار ما يقال ومتى يقال. الأديب والشاعر عبدالرحمن الشرقاوي عبّر عن هذه الفكرة بقوله: “الكَلِمَة نور وبَعْضُ الكَلِمَات قبور”.
وفي هذا تختصر العبارة عمق ما قد تتركه الكلمة في نفوس الناس ، سواء أكان نورا يهديهم أو قبورا تدفن آمالهه؛ ف في زمن انتشرت فيه ظاهرة التنمر والتقليل من قيمة الآخرين، أصبحت الكلمات سلاحا يستخدمه البعض بلا مبالاة، وأحيانا بلا وعي.
إقرأ أيضا : حين يكون الرحيل بداية جديدة
الكلمات الجارحة
كم من إنسان خسر ثقته بنفسه بسبب كلمات جارحة؟ وكم من شخص عاش في قلق وحزن دائم لأن أحدهم استخدم كلمات تفتقرإلى الحساسية والرقي؟ إن “قلة الذوق” وإنحدار مستوى التقدير للآخرين أدى إلى تآكل الحدود بين ما يصح وما لا يصح، وكأننا نعيش في زمن لا يتورع فيه البعض عن استخدام الكلام كوسيلة للإيذاء سواء كان بقصد أوبغير قصد.
في المقابل قد تكون الكلمة الطيبة أشبه بطوق نجاة تأتي في الوقت المناسب لتنتشل إنسانا من مشاعر الضيق أو اليأس، الكثيرون منا قد يجهلون كيف يمكن لمديح بسيط أوتعليق إيجابي أن يساهم في تحسين نفسية شخص يشعر بالضعف أو قلة التقدير.
وفي الحقيقة قد نجد أن الكلمة الطيبة لا تكلف شيئا لكنها تعني الكثير، إن الإشارة إلى الصفات الإيجابية في الآخرين والثناء على إنجازاتهم أو حتى على محاولاتهم قد يكون عاملاً هاماً في تحسين حالتهم النفسية، وربما يمنحهم دفعة لمواصلة التقدم.
وللأسف عادة ما يتدفق الحب والتقدير بمجرد فقدان الشخص، فنبدأ في تذكر ميزاته وحسناته بعدما يغادر الحياة أو يغيب عنا، وكأنما أُغلقت أبواب البوح والتعبير في حياته، نتساءل في هذه اللحظات: لو كان هذا الشخص قد سمع كل كلمات الحب والثناء هذه هل كانت حياته ستتغير؟، ربما كانت هذه الكلمات كافية لرسم بسمة على وجهه، أو منح قلبه الطمأنينة.
قبل فوات الأوان
إذا لماذا لا نعبر عن حبنا وتقديرنا لأحبائنا قبل فوات الأوان؟ لماذا لا يكون كلامنا وسيلة لإسعاد الآخرين، بدلا من أن يتحول إلى مرثيات متأخرة تأتي بعد أن يغادرونا؟ العلاقات الإنسانية المعاصرة أصبحت تتسم بالكثير من التوتر والتنافسية، وأحيانا قلة التعاطف.
أصبح من الشائع أن نقابل النجاح أو الإنجاز بالنقد أو الحسد بدلاً من الإحتفاء والمشاركة في الفرحة، ومثلما يشكل التنمر عاملا محبطا في حياة الكثيرين، فإن الدعم والكلمات الطيبة يمكن أن تكون بمثابة الحافز والدافع للاستمرار.
ولعل هذا الفارق بين الكلمات البناءة والمدمرة هو ما يُظهر بوضوح قيمة الاحترام والتقدير في العلاقات. إن تحمل مسؤولية كلماتنا هو مفتاح لبناء مجتمع أكثر تعاطفا وإنسانية حيث يصبح التعبير عن الحب والتقدير جزءا من سلوكياتنا اليومية. فلا يجب أن تكون الكلمة الطيبة حكرا على المناسبات الخاصة أو اللحظات الفاصلة.
إقرأ أيضا : الرحمة الغائبة: دعوة لإحياء لين القلب
بملاحظة إيجابية !
يمكننا يوميا أن نصنع فارقا بسيطا في حياة من حولنا بكلمة تشجيع أو ملاحظة إيجابية. فربما تكون هذه الكلمات هي التي يحتاجها الشخص ليشعر بأنه مقبول ومحبوب وتمنحه الشعور بالأمان. في زمن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت الكلمة تصل بسرعة وتصل إلى أعداد هائلة من الناس.
منصات التواصل الإجتماعي
ولكن للأسف أصبحت منصات التواصل الإجتماعي بيئة خصبة للتنمر والتحقير من الآخرين حيث يُطلق البعض كلمات جارحة دون وعي. ومن هنا تبرز الحاجة إلى زيادة الوعي حول تأثير الكلمات وأهمية استخدامها بمسؤولية. علينا أن ندرك أن لكل إنسان مشاعر وأن الكلمة قد تكون سببا في رفع معنوياته أو إحباطه وربما تؤدي إلى نتائج نفسية عميقة قد لا تظهر على السطح.
وبالتالي فإن مسؤوليتنا تكمن في استخدام الكلام كوسيلة لإظهار الحب والتقدير وليس لإيذاء الآخرين أو تحقيرهم. يمكن للكلمات أن تكون بمثابة مرآة تعكس قيمنا ومبادئنا. وعندما نختار أن ننشر كلمات إيجابية فإننا نساهم في خلق بيئة تشجع على التسامح والتعاطف.
في المقابل عندما نستسلم للرغبة في الانتقاد اللاذع أوالسخرية، فإننا نكون جزءا من دائرة السلبية التي تؤثر على الآخرين. لعل أفضل وسيلة لمواجهة قسوة الكلمات هي زرع ثقافة الحب والتقدير ، وتذكير أنفسنا بأن كل إنسان يستحق أن يُعامل باحترام وأن يُقدر لما هو عليه، لا لما يتوقعه الآخرون منه.
ستتذكر دائما كيف جعلوك تشعر!
إن الإنسان بحاجة إلى سماع كلمات التقدير والمساندة، حتى يستطيع الاستمرار في الحياة بثقة وطمأنينة. وكما قال أحد الفلاسفة: “قد لا تتذكر دائما ما قاله لك الناس، ولكنك ستتذكر دائما كيف جعلوك تشعر. لننظر حولنا ونسأل أنفسنا: من من أحبائنا يحتاج إلى سماع كلمة طيبة اليوم؟ من من أصدقائنا أو زملائنا يحتاج إلى تشجيع بسيط قد يغير يومه أو ربما يغير مسار حياته؟.
إقرأ أيضا : رائحة الجوافة وأنوف لاتشم !
هي هدايا نقدمها لمن نحب
إن الكلمات التي نقولها بصدق وحب هي هدايا نقدمها لمن نحب، وهي تعبير عن اهتمامنا وتقديرنا. فلا تبخلوا على من تحبون بالكلمات الطيبة، فهي قد تكون السبب في بناء حياة أفضل لهم، وقد تكون لمسة دافئة تضمد جراحهم، حتى وإن لم تروها.
الخلاصة
ختاما إن كلماتنا تحمل قوة كبيرة ، فلتكن أداة لنشر النوروالسلام في قلوب الآخرين، ولنعلم أن الكلمة الحلوة لا تُنسى، والكلمة الجارحة تترك ندوبا قد لا تُمحى؛ ومن ثم علينا أن نختار كلماتنا بحكمة ، وأن ندرك أنها قد تكون سببا في إسعاد إنسان أوتحطيمه، فلنجعل من كلماتنا زادا يحمل الحب والتقدير، وليكن تعبيرنا عن مشاعرنا نابضا بالحياة؛ لأن اللحظة التي تمر قد لا تعود، والكلمة التي لا تُقال في وقتها قد تظل عالقة في قلوبنا كحسرة أبديّة، ولنتذكر دوما أن كلماتنا تصنع الحياة .
الكلمات المفتاحية
# كلماتنا تصنع الحياة #الكلمات الطيبة # تأثير الكلمات # كلمات التقدير والمساندة #كلمات #كلمات جارحة #مواقع التواصل الإجتماعي #كلمات حب # شحاته زكريا