في الأونة الآخيرة أثيرت بعض النقاشات حول العلم، وجدوى الإشتغال به، بعد أن لمح أحدهم إلى أن سبب رقة الحال التي يعاني منها أخوه العالم ـ مقارنةً بحاله ـ تعود إلى اختياره طريق العلم، وأن هذا الطريق لا ينبغي أن يسلكه من يريد الغنى والثروة!.
وفي السياق ذاته إنبرى حينئذ كثير من المتفلسفين إلى إلقاء اللوم على الدولة، وتوجيه أصابع الاتهام إلى المسؤولين … وهكذا تتشكل كثير من معتقداتنا وتوجهاتنا الفكرية بشكل عاطفي سطحي لا يرتكزعلى أساس سليم من منطق أو دليل دامغ.
ذلك أن النظر بتأمل لمثل هذه القضايا – التي تبدو في ظاهرها جدلية ولكنها في حقيقة الأمر واضحة ومحسومة – يجعلنا ندرك منذ الوهلة الأولى أن الذي يوجه الدفة هو الجمهور وليس الدولة؛ ففي ظل سيطرة صفحات التواصل الاجتماعي الافتراضي واليوتيوب وغيرها من التطبيقات التي يمكن من خلالها تحقيق أرباح مادية كبيرة تعتمد على عدد المشاهدات والتفاعلات على المحتوى، في ظل ذلك كله أصبح الجمهور هو الذي يحدد من سيمتلك المال ومن لا يمتلكه بناء على تفضيلاتهم في المشاهدة .
قد يهمك أيضا : 5 كلمات من القلب … لك ! (azwaaq.com)
وهكذا فإن اختيار عنوان مشوق لبعض الفيديوهات ومحتوى تافه أحياناً يستثير فضول كثير من الناس وبمجرد متابعتهم لهذا الفيديو، فإنهم يجعلون من صانع الفيديو نجماً، ويمنحونه مكاسب مادية كبيرة تدفعه إلى الاستمرار.
والسؤال هنا هل منعت الدولة تقديم محتوى علمي وثقافي وإبداعي وفني يقدم بطريقة راقية ومفيدة؟ الإجابة هي كلا؛ فالإنترنت يذخر بالكثير والكثير من هذه النوعيات من المحتوى، ولكن الإقبال عليه ينحصر في فئة قليلة من محبي العلم والثقافة والفن الراقي.
إن الفضول الذي يدفعنا لاستكشاف هذه النوعية من الفيديوهات يجب أن يترجم داخل أذهاننا إلى حقيقته الفعلية وهي أنه ” تنجيم” لصناع هذا الفيديو (جعلهم نجوما) ، كما أنه يمثل دعما ماديا ومعنويا كبيرا لهم، وبالتالي فإن سيطرتك على فضولك واختيارك الجيد لما ستشاهده يمكنه أن يسهم إلى حد كبير في إعادة التوازن وإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي ويسهم كذلك في الارتقاء بالذوق العام.
وعلى العموم فإن المسؤولية الفردية هنا هي الأساس الذي يمكن أن ننطلق منه؛ فأنت مسؤول عن ذاتك وعن المحتوى الذي تدعمه من خلال مشاهدتك له، وإذا قام كل فرد بدوره في هذا الأمر وقاوم فضوله وتحكم فيه فإن النتائج ستكون عظيمة.
وعلى الجانب الآخر فإنني أوجه النداء إلى المشتغلين بالعلم والفكر والثقافة أن يقدموا محتواهم بطريقة تستثير انتباه واهتمام المتلقي لا بطريقة جامدة رتيبة تنفر كثيراً من المشاهدين من المتابعة، وتبعث في نفوسهم الملل وبذلك يمكنهم اجتذاب كثير من المتابعين، وخاصة من فئة الشباب وهي الفئة الأكثر استخداما لهذه الوسائل الرقمية.