منذ بدء مسيرتها الغنائية باتت فيروز واحدة من أبرزالأسماء الحاضرة بقوة في الذاكرة الفنية المصرية، وجسدت فيها معادلاً موضوعياً للبنان بطبيعته الجغرافية الساحرة وإرثه الحضاري الثري، وعبر ثلاثة مقالات لنقاد موسيقيين مصريين ضمهم كتاب“وطنٌ اسمه فيروز”، الصادر عن “مؤسسة الفكر العربي” انسابت المشاعر والذكريات والأحلام المرتبطة ب”جارة القمر” في الذاكرة المتوارثة عبرالأجيال، ومع اقتراب الاحتفال بعيد ميلاد فيروز في نوفمبر المقبل تقدم “أذواق” عرضاً للدراسات المصرية التي تضمنها الكتاب.
يأتي الإصدارالخاص للمؤسسة ًعن دورية “أفق” في 350 صفحة تكريماً لمسيرة فيروز أيقونة الفن الجميل، ويتضمن مجموعةً من المقالات والدراسات والشهادات التي تتناول مختلف جوانب مسيرتها الزاخرة بالنجاحات فضلاً عن مجموعة رسومات للفنانة وذلك تقديراً لها ولجهود الذين أسهموا في اكتشاف موهبتها وإطلاقِ مسيرتها الفنية وفي مقدمتهم ثلاثي الرحابنة منصوروعاصي وزياد.
وبالرغم من تعدد الكتب والكتابات التي تناولت مسيرة فيروز والرحابنة إلا أن هذا الكتاب يتميز بأنه لا يخص مؤلفاً واحداً، ولا يتعلق ببلد بعينه كما أنه لا يقتصرعلى رؤية أو لون كتابي واحد، إنما هو كتاب جماعي بإمتياز أو كما جاء في مقدمته :”ينتمي المشاركون في تأليفه الى مختلف الدول العربية، ويضم بين دفتيه في سياقات مؤتلفة ومتكاملة، دراسات ومقالات تتسم بطابعها البحثي ومنحاها الأكاديمي ومضامينها الفكرية، وشهادات يغلب عليها الطابع الذاتي والخواطر التأملية وتتجاورعلى امتداد صفحاته مناهج التوثيق والتحليل والتقييم”.
مكانة فيروز في قلوب المصريين
كشفت كتابات الباحثين الموسيقيين المصريين في الكتاب عن مكانة الفنانة في قلوب المصريين، كقامة غنائية متفردة ورمز قومي، كما استعادت الكثير من الذكريات المرتبطة بها و طبيعة علاقتها بكوكب الشرق والمشهد الفني المصري بوجه عام، وتماهى ذلك مع رغبة القائمين على الكتاب على أن تسلط المشاركة المصرية الضوء على علاقة فيروز بالقاهرة و فق الناقد محب جميل الذي تضمن الكتاب بين دفتيه دراسته تحت عنوان ” فيروز زهرة متفتحة في حديقة الذاكرة المصرية” وقال ل“أذواق”:” إنطلقت دراستي من إنه على المستوى الشخصي تمثل لي فيروز أهمية خاصة؛ فهي معي بفرادة صوتها وإحساسها منذ طفولتي، ومن جهة أخرى أراد صناع الكتاب تناول صدى مسيرتها في عيون الموسيقيين المصريين باختلاف ثقافتهم وتجربتهم الإنسانية عن البيئة اللبنانية”.
واعتبرجميل فيروز جزءا من الحياة اليومية لكثيرمن المصريين في مقالته بالكتاب حيث جاء بها:”أصبحت فيروزمع الوقت جزءاً من النسيج اليومي لنا، فهناك مجموعة من الذين يبدأون يومهم بالاستماع إليها مع فنجان القهوة الصباحي، كما أن سائقو التاكسي يديرون مؤشر الراديو نحو إذاعة الأغاني في كل صباح؛ لالتقاط فقرتها الثابتة للتحليق مع صوتها نحو آفاق من الطبيعة الساحرة والأحلام المؤجلة”.
لافتاً :”قبل عصر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي دأب التليفزيون المصري في فقراته الصباحية على عرض مقتطفات من حفلاتها، كما أن المقاهي والكافيهات التي يرتادها جمهورالشباب لاتنقطع فيها أغنيات فيروز”.
العلاقة بين فيروز وأم كلثوم
إلى هذا تناول الناقد كريم جمال العلاقة بين “فيروز وأم كلثوم ..الإئتلاف والاختلاف” في دراسته التي حملت العنوان نفسه، واستدعى أجزاء من حوار لفيروز في 10 إبريل( نيسان) 1980 لمجلة “الموعد” تحدثت فيه من ضمن حوارها لأول مرة عن عمق علاقتها مع كوكب الشرق.
وأبرزجمال قول فيروز للمجلة :”نعم كانت هناك علاقة طيبة بيني وبين المطربة الكبيرة أم كلثوم، التقينا للمرة الأولى عندما غنت في بعلبك، ثم عندما زرت مصر، وكان لها خارج صوتها العظيم حضوراً آخاذ لعله لا يقل قدرة عن صوتها في حبها والإعجاب بها” ثم تردف قائلة :”كل أغاني السيدة أم كلثوم جميلة وتتميز بمقاطع تبلغ حداً رائعاً من جمال الأداء، ولكن ذلك لايعني أن مايناسبها يناسبني، أوأن ما يناسبني يناسبها، هناك اختلاف في النظرة إلى الفن من حيث ما هو لحن وكلام وزمن”.
ويعلق الكاتب المصري على حديث فيروزقائلاً:”على الرغم من أن ميراث أم كلثوم وحصيلة ماغنته فيروز يشكلان الظاهرتين النسائييتين الأعمق في الذاكرة العربية والأكثر استحواذاً على عرش الغناء العربي إلى اليوم إلا أن ذلك التوافق في أهمية المشروعين لايعني بالضرورة التطابق التام وذلك ماينفي إمكانية المقارنة”.
أسرار زيارات “جارة القمر” لمصر
ومن خلال مقال عمروماهروالذي جاء بعنوان”عن فيروز والرحابنة في مصر” نتعرف على تفاصيل وأسرار زيارات جارة القمرلمصر، ومن ذلك زيارتها لكوكب الشرق والمعالم التاريخية والسياحية في القاهرة والإسكندرية، والشخصيات الثقافية والفنية التي التقت بها خلال هذه الزيارات، يقول ماهرل“أذواق”:”كانت الزيارة الاولى لفيروز لمصر في شباط فبرايرعام 1955، وكانت بدعوة من إذاعة صوت العرب لتسجيل عدد من الأعمال” ويتابع :”بالنسبة إلى مصر كان العام 1966 هو”عام فيروز” فقدوجهت دعوة من جانب وزارة الإرشاد المصرية إلى فيروزوالأخوين رحباني لزيارة الجمهورية العربية المتحدة، وكانت أخبارها تتصدر الجرائد والمجلات المصرية، وأغانيها تبث من الإذاعة” مشيراً :”ظهرت فيروزعلى صفحات مجلة الكواكب ترد على رسائل القراء المعجبين من مصر والأقطار العربية بخفة دم وذهن حاضر”.
“بعد العام 1966 اقتربت فيروز أكثرمن الجمهور المصري؛ سيما أنه تأكد أنه لايوجد خلاف بينها وبين أم كلثوم خاصة بعد أن زارتها فيروز في بيتها مرتين”.
ومن أهم ما تناوله ماهرفي مقاله أنه في فترة الحداد على وفاة جمال عبد الناصر في خريف 1970 لم تجد محطات الإذاعة المصرية على اختلافها سوى أغانى فيروز لتذيعها وذلك بالرغم من إنها ليست أناشيد وطنية أو أدعية دينية إنما فقط هي تخاطب الوجدان الإنساني في جميع حالاته”.
.jpg)
الفنانة فيروز (رسم داخل الكتاب لسامية الحمصي داغر ـ مصدر الصورة الكتاب)
.jpg)
الفنانة فيروز رسم داخل الكتاب لسامية الحمصي داغر