بقلم الدكتورعاصم حجازي أستاذ علم النفس التربوي المساعد بجامعة القاهرة
اكتشف الشخصية المسيطرة و إعرف كيف تتعامل معها
الشخصية المسيطرة هي شخصية لا تقبل المقاومة الفكرية ولا المساومة على الحلول والخطط، هي شخصية لا ترى إلا بعينها ولا تسمع إلا بأذنها، وهي بذلك تحرم نفسها من متعة التجول في العقول وقطف زهور الأفكار من عقول المبدعين وتفوت على نفسها وعلى المجتمع فرص الاستفادة من النابغين والنابهين.
وهي في ذلك تعتمد على نوع من أنواع الابتزاز الإنفعالي؛ حيث تثير لدى من يتعامل معها مشاعر القلق والخوف والترقب وفقدان الثقة بالنفس؛ رغبة منها في حث المتعاملين معها على الإذعان والقبول دون أدنى مقاومة.
وعلى عكس ما يظن كثيرمن الناس؛ فالمسيطرون أذكياء، ويتسمون بسمات القيادية، ولديهم قدرة كبيرة على تحمل المسؤولية، ويمكنك الاعتماد عليهم وتكليفهم بمهام معينة، يقومون بها على أكمل وجه؛ فهم ليسوا سيئين على الدوام، ولكنهم يحتاجون لشخص أكثرمنهم ذكاء يستطيع إدارتهم والسيطرة عليهم، وتوجيههم نحو إنجاز المهام!.
قد يهمك أيضاً: كيف تكون أكثر اقناعا للآخرين؟ (azwaaq.com)
غيرأنهم مع من لا يعرف كيفية السيطرة عليهم وترويضهم سيكونون أشخاصا مزعجين يجعلون من يتعامل معهم يقع تحت ضغوط كبيرة طوال الوقت؛ فهم دائما يرون ان من حقهم معرفة كل شيء عن الآخرين، بينما ليس من حق الآخرين أن يعرفوا شيئا عنهم، وهو دائما يميلون لفرض خططهم وأهدافهم وحلولهم على الآخرين ولا يقبلون بأي نوع من أنواع المعارضة.
وإذا كانت هذه الشخصية تقوم بدورالأب، فهو الأب المتسلط الذي يفرض على أبنائه نوع التعليم الذي يجب أن بلتحقوا به، والزوج أو الزوجة الذي يجب أن يقبلوا به، وأحيانا أيضا نوع ولون الزي الذي يرتدونه وغير ذلك الكثيرمن أنماط التدخل التي تزعج الأبناء كونهم لا يستشعرون أن سببها يرجع لخوف الأب عليهم أولسعيه لتحقيق مصلحة مهمة لهم وإنما هو لمجرد فرض الرأي والسيطرة.
ومن المهم الإشارة إلى أن الصالح العام ليس على رأس أولويات الشخصية المسيطرة، وإنما مصالحه الضيقة هي التي توجه سلوكه وتقف دائما خلف قراراته مصالح شخصية، وربما معنوية، وقد يكون من بينها كسب المكانة والإحساس بالضخامة الاجتماعية، لكن على أي حال لا يخلو كل موقف يفرضون فيه سيطرتهم من منفعة شخصية تعود عليهم في النهاية.
كما ان الشخص المسيطريوجه دائما النقد للآخرين وعينه دائما على سلبياتهم، ويغض الطرف عن أي إنجاز أو أي شيء إيجابي يقومون به؛ وذلك لأنه يسعى دائما لاحتكار الكمال والانفراد برجاحة العقل وحسن التصرف والحكمة.
وهم مع سعيهم الدائم لانتقاد الآخرين لا يقبلون أن يوجه لهم الآخرون أي نقد، ويعتبرونه تهديدا لمكانتهم وانتقاصا من قدرهم ويعتبرون أن النقد شخصي مهما بلغت درجة موضوعية النقد، والأشخاص المسيطرون نرجسيون متمركزون حول ذواتهم؛ فمصالحهم ورغباتهم وتطلعاتهم هي محور اهتمامهم، ولا يفكرون مطلقا في الآخرين، ولا في الضرر النفسي الذي يقع عليهم جراء وقوعهم تحت سطوتهم وتنفيذ قراراتهم.
وهم أيضا يجيدون التلاعب النفسي والابتزازالإنفعالي فقد يجعلون تشعر بالذنب تارة وأخرى بالخوف ومرة بالقلق ومرة بالتعاطف فهم يوظفون مشاعرك لتحقيق أهدافهم وهم بارعون في هذا إلى حد كبير.
قد يهمك أيضا: إياك أن تنفخ في الزبادي ! (azwaaq.com)
ولكن كيف لك بعد أن اكتشفت هؤلاء أن تتعامل معهم؟ دعني أخبرك أنك ستجد من هؤلاء في مسيرة حياتك كثيرولن يكون التجنب حلا مرضيا في جميع الأوقات، وسوف تجد نفسك مضطرا للتعامل معهم في مواقع وأماكن مختلفة؛ لذا عليك تطوير استراتيجياتك للتعامل معهم والسيطرة عليهم.
إن استطعت أن تكتشف السبب خلف هذه الرغبة في السيطرة؛ فقد قطعت نصف المسافة، واقتربت من الحل وهذا هو أول ما ينبغي أن تبحث عنه، فإن كان بسبب سعيه للحصول على الاحترام والتقدير، أبرزنا له ذلك دون أن نكون مضطرين لتنفيذ كل تعليماته؛ فيمكننا حينما نجري حوارا في وجوده أن نترك له المجال أن يبدأ بالحديث أولا وأن يعقب على الجميع بعد انتهاء الحوار.
ونعمل أن نجعله من خلال طرح الأسئلة وإبداء التقييمات مضطرا للأخذ بالرأي الذي نريده دون أن يشعر بأن مكانته قد اهتزت أو تأثرت من جراء طرح الآخرين لأفكارهم، وشيئا فشيئا سيعتاد الحواروالنقاش وأثناء الحواروالنقاش نرشده إلى إلقاء تعليمات لإدارة الحواربشكل جيد على نحو حسن الاستماع وعدم المقاطعة وتسجيل المقترحات ومناقشتها ونقدها بشكل موضوعي، وحينما يكون هو مكلفا بإلقاء هذه التعليمات بصفته قائدا للحوارسيكون هو أول الملتزمين بها.
أيضا لابد من الهدوء والحزم لأن الشخصية المسيطرة دائما عصبية لأنها لا تستند إلى منطق أو حجة قوية فتلجأ دائما للاحتماء بالعصبية الزائدة والغضب المفرط ومبادلته العصبية أو الغضب ستعطي شرعية لعصبيته وغضبه ولكن الهدوء التام سيفقده الشرعية، وسيجد نفسه مضطرا إلى النقاش الموضوعي وهو نقطة ضعفه الكبيرة التي إذا دخل فيها تهاوت قدرته على السيطرة وفرض الرأي.
قد يهمك أيضا : أصعب مراحل النجاح (azwaaq.com)
الالتزام بالقواعد والأعراف والقوانين والاحتكام إليها يحد من سيطرة هذا النوع من الشخصيات وهو الملجأ لمن لا يقوى على المقاومة فعليه حينئذ الاحتكام للعرف والقواعد والقوانين، للحد من سيطرة هذه الشخصية ومقاومتها. وعليك دائما أن تحاصر هذه الشخصية بالإسئلة الهادئة التي تتعلق بكل تفاصيل الموضوع، وإسأله عن سبب تمسكه برأيه واطلب منه أن يقدم مبررا وأن يوضع عيوب الرأي الآخر.
وهكذا فإن المحاورة ومناقشة الأفكار تزعج هذه الشخصية كثيرا، وعليك أخيرا ان تدرك أن تعبيرات هذه الشخصية الغاضبة أوالعنيفة ليست موجهة لشخصك فكن موضوعيا، ولا تلتفت لموجات العنف التي تطرأ على هذه الشخصية أحيانا، وتجاهلها تماما وركز على الفكرة، ولا تنس … ” كن هادئا”!.