كتبت : ندى علي
لا تُمحى ذكريات الطفولة من الوجدان، وقليلة هي اللحظات الإستثنائية التي تستطيع أن تنافسها، خاصة داخل المبدعين، الذين يرفدون جانباً كبيراً من أعمالهم من ذاكرتهم البصرية ومخزونهم العاطفي، وذلك ما تشعر به حين تتأمل لوحات الفنان المصري إبراهيم غزالة التي ضمها أحدث معارضه “خيال مآتة” .
إقرأ أيضا : ـ “فاصلة منقوطة” .. معرض للفنانة السودانية إيلا منعم بالقاهرة

نشأ الفنان إبراهيم غزالة في الريف المصري، على حدود بحيرة المنزلة، وهي من البحيرات الساحرة القابعة مابين مدن دمياط وبورسعيد والدقهلية، ويرى نفسه “سعيد الحظ ” لهذه النشأة، ويقول ل”أذواق”:”نشأت في بيت على أطراف بحيرة المنزلة، فكنت أرى البحيرة والفضاء المائي والمراكب البديعة والإنسان يسعى وراء رزقه هنا وهناك”.

ويتابع:”في طفولتي التي كانت في الستينات من القرن الماضي، لم يكن هناك إزدحام أوخرسانة مسلحة أو عشوائيات في الريف المصري، كان هناك فقط دفء ومشاعر وحياة هادئة وبسيطة وأجواء راقية، أسـتطيع القول إنني لحقت بالعربة الأخيرة من قطارالجمال”.
من قلب هذه الحياة كون الفنان عاطفته، وتشكلت ذكرياته، ومنها “خيال المآتة” ذلك المجسم الذي جعله الفلاح المصري حارساً على حقله؛ حيث كان يضعه في وسط الحقل لطرد الطيور التي تلتهم الحب، وكان عبارة عن جلباب قديم محشو بالقش، ومعلق على عصا، يتخذ شكل إنسان؛ فتظن الطيور أن ثمة شخصاً واقفاً بالحقل، فتهرب سريعاً.
إقرأ أيضا : “يوميات المدينة” … يسرد حكايات من قلب “القاهرة”
لازال غزالة يتذكر كيف كان وسائر أطفال القرية يلعبون حول “خيال المآتة”، يشعرون بالأمن؛ تارة لأنه موضع الأمان وحارس الحقل بالن سبة للكبار، ويشعرون بالخوف والفزع تارة أخرى؛ لما ينسج حوله من حكايات وأساطير تثير خيال الصغار .

وظل “خيال المآتة” مختبئاً في ذاكرة غزالة، إلى أن مرت السنوات، و قام بزيارة “كرداسة” ذات يوم، فإذا به يجد أمامه من جديد صديقه القديم، ليستعيد ذكريات الطفولة” شاهدته مصادفة، وعندما شاهدته مرة أخرى، كان بالنسبة لي بمثابة استعادة مصدر”سعادة مفقودة”؛ ذكرني بأيام لن تعود، إنها نوستالجيا الطفولة، ولولا إنه كان يعني لي الكثير زمان ماكنت جسدته في معرضي الجديد”.
هذه المرة شاهده غزالة بعين أخرى؛ فبجانب إحساس الطفولة والحنين للماضي كانت هناك رؤية جديدة ومشاعر أخرى ربما أكثر نضجاً “شعرت بجمالياته؛ رأيت مجسمات عديدة له في الحقول، نظرت إليها كما لو إنها قطعاً فنية متناثرة وسط الزرع والمساحات الخضراء الممتدة”.

ويردف” إنها شاهدة على فطرة الفلاح المصري وخوفه على حصاده ورغبته في تأمينه، كما إنها تعكس لكم يتمسك داخله بالجمال؛ فقد رأيت “خيال المآتة الذي صنعه بيديه في منظر جمالي تشكله الملابس البالية الملونة التي يرتديها من خزانة الفلاح وأهل بيته ” .
من هنا احتفى الفنان بتقديمه في لوحاته العشرين التي ضمها المعرض، مزدان بألوان زاهية راقية توحي بالكثير عن الريف المصري المستقر في ذاكرته، مستخدماً الألوان الزيتية والأكريلك، يقول ل “أذواق”:” ثمة علاقة قوية ما بين الأمل وخيال الماتة، إنه الأمل في أن القادم أفضل، وأن المرء سيحصد ما جنى مثلما يشعر الفلاح وهو يقين ذلك المجسم في حقله” .

ويؤكد الدكتور إبراهيم غزالة “رأيت ملامح الأمل والسعادة على وجوه زائري المعرض؛ لقد نجح خيال المآتة أن يصنع أجواءا من البهجة في قاعة العرض؛ لأنه أعاد الحضور إلى زمن جميل، ابتعد بهم عن الحاضر إلى عالم مليء بالخيال والحكايات والحنين للطفولة”.

الكلمات المفتاحية
#معرض “خيال مآتة” #الفنان إبراهيم غزالة #الدكتور إبراهيم غزالة #معرض إبراهيم غزالة #خيال المآتة #الريف المصري #خيال المآتة ماهو #دور خيالالمآتة #معرض فني #الفن التشكيلي