من حين إلى آخر، يطل علينا المشهد التشكيلي المصري بموجات من الجدل الشديد والتى قد تدور حول تقنية أوأسلوب أو اتجاه فني جديد، كما قد يتحول حدث أوفعالية ما في هذا المجال إلى قضية شائكة تثير الكثير من النقاشات لفترة تطول أو تقصر.
ومن ضمن القضايا التي تشعل الجدل سواء في لقاءات التشكيليين أوعلى مواقع التواصل الاجتماعى في مصر هي ظهورإدعاءات تنسب لوحات إلى فنانين راحلين، وطالعتنا بداية عام 2023 بنسب لوحة تدعى”حلاق القرية” للفنان محمود سعيد؛ فبينما رأى الفنان عصمت داوستاشى أن اللوحة للتشكيلي الرائد، واتفق معه بعض الفنانين، أعلن الناقد صلاح بيصار ـ ومعه كثيرون ـ غضبه من هذا الرأي، مؤكداً إنها لوحة دخيلة لا تنتمى لمحمود سعيد، مشدداً على أهمية التصدي لواغش اللوحات الدخيلة المزورة”.
وتجدد الجدل مرة أخرى في فبراير (شباط) 2023 فبينما أكد أحد مقتنِي الأعمال الفنية أنه يمتلك لوحتين نادرتين للفنانة جاذبية سري سرعان ما حذرت أسرة الراحلة من تداول اللوحتين باعتبارهما ليستا من إبداع سري، لتصدرعلى الفور بياناً نفت فيه نَسب اللوحتين إلى الفنانة، وشددت على «اتخاذ الإجراءات القانونية كافة تجاه تداولهما وعرضهما بأي صورة من الصور”.
وكان بيع مجموعة فنية نادرة للتشكيلي المصري سيف وانلي عام 2021 عبر دار Livrauctioneers للمزادات بالولايات المتحدة الأميركية بأسعار زهيدة قد أثاركذلك جدلاً واسعاً في مصر مابين مؤيد إنها لوانلي؛ لأنها تتوافق مع أسلوبه الفني مطالباً بضرورة ترسيخ مكانة الفن التشكيلي العربي في الغرب لتباع بأسعار تناسب قيمتها الفنية، ومابين رفض الاعتراف من الأصل إنها للفنان السكندري، والتأكيد إنها مزورة.
ولايُعد نسب لوحات لفنانين كبار ورواد هو الجانب الوحيد للجدل في المشهد التشكيلي المصري، إنما تتعدد جوانبه وافق الفنان أحمد كمال الذي قال ل”أذواق “:” أن “الجدل في الفن أمر طبيعي لأنه مجال يقوم على الإبداع والخيال ويتمرد بطبيعته على أي قواعد أوقوالب ثابتة، كما أن مصرتمتلك تاريخاً طويلاً من الفنون الجميلة يعود إلى بدايات القرن العشرين، وقد ولد ذلك حراكاً لايتوقف، وفي ظل ذلك الحراك تثار المناقشات وتتجدد القضايا الخلافية” ويتابع:”وبينما تتعلق بعض أوجه الجدال بموضوعات ذات صلة بنسب أعمال إلى بعض الرواد وهو ما يرجع إلى غياب الأرشفة والتوثيق الرسمي أو غيرالرسمي لتاريخ التشكيل المصري؛ فإن ثمة أوجه أخرى تعود إلى رفض البعض الاعتراف بحرية الفنان المطلقة في اختيارأسلوبه الفني أو خاماته، سيما مايتعلق بالفن المفاهيمي أومابعد الحداثة” مشيراً:”إن الجدل أو النقاش حول بعض القضايا الشائكة قديكون مفيداً في بعض الأحيان؛ إلا أنه قد يتحول إلى مضيعة للوقت حين يتحول إلى مجرد رغبة في الرفض أوإنكار حق الفنان في التعبيرعن فكره بلغته البصرية التي يختارها”.
وفي عام 2022أثارت فنانة مصرية الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد عرض عملها الفني (تجهيز في الفراغ) الذي شاركت به في مهرجان “ضى الرابع للشباب العربى” بأتيليه العرب بالمهندسين؛ إذ قامت ماجي الشاويش بعرض عمل كان عبارة عن شمسية، وضعت مافقدته من شعرعلى مدار أربعة سنوات كغطاء لها، بعد أن أزالت الغطاء الخاص بها، ليحصد العمل نقاشاً واسعاً، وكتبت الشاويش تدافع عن نفسها على صفحتها:” كنت أريد التعبيرعن الإحساس بالفقد بطريقة غير تقليدية؛ لأن الشعرغالى بالنسبة لأى إمرأة، والشمسية هي رمزالأمان، ومن ثم وجدت مافعلته أكثرمايعبرعن الشخص الذي لم يعد له وجود”.
ويُعد معرض “الذكاء الإصطناعي وأنا … تجارب مستقبلية في الفنون” الذي استضافه أخيراً غاليري بيكاسو أحدث الفعاليات التي تسببت في عاصفة من الجدل والنقاش في المشهد التشكيلي بمصر؛ فقد فاجئت الفنانة الدكتورة علية عبد الهادي عميد كلية العمارة والفنون في جامعة البترا بالأردن سابقا، الجمهور المصري باستخدام الذكاء الإصطناعي “كمولٌد لأعمال فنية سواء لتصميمات أو لوحات تشكيلية، لتتحول الكلمات إلى تصميمات فنية فى عشرثوان” على حد تعبيرها في كتالوج المعرض، وأبدى أبدى الكثيرون إعجابهم بالتجربة مثل دكتور محمد غنيم الأستاذ في كلية الفنون الجميلة جامعة المنيا واصفاً المعرض ب”السعي نحو تطوير الذات، ومغامرة الولوج إلى تجارب جديدة لا تقف عند عمر معين” وكذلك .د. رشا الزيني وكيل كلية الفنون بالجامعة البريطانية التي كتبت “المثل الذي تضربه لنا دكتورعلية في الشغف والرغبة في الاستكشاف”.
في حين لاقى الأمرهجوماً شديداً من جانب بعض الفنانين ومنهم الفنان أحمد رمضان الذي تساءل عما إذا كان ذلك نوعاً من الإبداع البشري؟ مؤكدا أن هذه الصور ليست محمية بحقوق الطبع والنشر؛ نظراً لأنها عبارة عن محتوى تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي” أما الفنان عزالدين نجيب فكتب على صفحته:” “مايحدث اختلاط للهويات والأنساب والمصادر” رافضاً أن يكون المعرض نوعاً من التجارب المعملية والدراسات البحثية؛ باعتبار أن ذلك مكانه مراسم الفنانين وورش التجريب الأكاديمى” وتابع:”كأننا نقنن أو نشرع للأجيال الجديدة والمشتغلين بالفن ممارسة هذا الأسلوب حتى يصبح السطوعلى أساليب الفنانين منهجاً مشروعاً”.
ومن المؤكد أن الجدل في الفن التشكيلي المصري لن يتوقف؛ إذ ستثار من حين إلى آخر قضايا جديدة بحسب أحمد كمال لافتا من جديد إلى “إن الأأمر يمثل اختلاف في الرؤى، وهو أمر صحي للغاية، يعبر عن حرية الإبداع، ويحفز على إنتاج المزيد من الأساليب والأفكار الجديدة المبتكرة ، بل إن هذا الجدل من شأنه أن يقرب وجهات النظر”.
%20%20(4).jpg)
من معرض “الذكاء الإصطناعي وأنا”

إحدى اللوحتين المنسوبتين للفنانة جاذبية سري ورفضتها أسرتها