سأروي لكم تجربتي، والتي تدور حول الغربة و الوحدة و الحب الأول.
تنطوي حياتي على مصادفة أغرب من الخيال، سأرويها لكم خلال السطور التالية في أذواق، لعل من يقرأها يستلهم معنى ما يفيده في الحياة .
بعد سنوات من الغربة أيقنت إنني ضيعت عمري؛ وأن العمر الذي ضيعته لن يعود .
قضيت سنوات طويلة أجمع المال و أعمل في أكثر من عمل.
حيث كنت أعمل مهندسا في شركة كبرى دولية، وكان لي مركز مرموق، إضافة إلى عملي فري لانسر أيضا مع شركة دولية مقرها في ألمانيا.
طبعا ستسأل وأين زوجتى وأبنائي، والإجابة أنه مثل كثير من الأسر كانوا في مصر، ويأتون لزيارتي في الأجازات والأعياد.
كبر أبنائي، وأنا لا أعرفهم جيدا، ولايعرفونني جيدا.
وفي الفترة الأخيرة بدأت أنتبه إلى العمر الذي يضيع، خاصة أمام جفاء مشاعر زوجتي، و حيادية مشاعر أبنائي، فهم يعتبرونني شخصا غريبا عندما يأتون لزيارتي، أو ضيفا ثقيلا عندما أنزل مصر .
وكان أسلوبي في مواجهة ذلك ومحاولة الاستمتاع بما تبقى من العمر، هو الاستغناء عن العمل الإضافي.
فضلاً عن الخروج إلى المولات في البلد التي أعمل بها تقريبا كل يوم، ومقابلة الأصدقاء، و أحيانا السفر إلى دولة أجنبية لعدة أيام بغرض السياحة.
وساعد على ذلك أن أبنائي كبروا، وتخرجوا من الجامعات الخاصة، و اشتريت لكل منهم شقة وسيارة ووضعت لهم حسابا في البنك.
ومرت الأيام، يوما سعيدا أشعر إنني بدأت أجدد شبابي، و أستعيد قدرا من سعادتي الضائعة.
وأن دائرة صداقاتي توسعت وضمت رجال من مهن متعددة، فهذا طبيب و ذلك محامي و هؤلاء رجال أعمال .
و يوما أشعر إنني ربما أكون كمن يخدع نفسه وأن الوحدة و الفراغ و الحياة الجافة هي عنواني !.
صدفة أغرب من الحياة
واستمرت الحياة هكذا إلى أن التقيت ذات يوم بصديق قديم مصادفة أثناء جلوسي مع مجموعة أصدقاء في مول شهير بالدولة التي أعمل بها.
وصممت أن نعود معا لمنزلي لنستكمل السهرة ونستعيد الذكريات، ووافق صديقي العزيز لأنه كان يشتاق لي مثلي تماما.
وكان صديقي قد هاجر إلى لندن فور تخرجه، وظلت المراسلات مستمرة إلى أن انقطعت لإنشغال كل منا بهمومه وعمله وطموحاته.
وأثناء حديثنا قاطعني قائلا فجأة هل تعرف إنها هنا في دبي ؟! سألته من هي، للحظة دار في ذهني أنه يقصدها هي …
فهو يعرف جيدا عشقي لها، ومدى الوجع الذي شعرت به بسبب رفض أسرتها لي، ثم رفضها أن نتزوج ونسافر بعد حصولي على عقد عمل.
لكن غيرمعقول أن يقصدها هي، هل توجد حبيبتي هنا؟ كيف لما ألتقي بها؟ ولماذا تظهر الآن؟ .
دار ذلك كله داخلي خلال ثوان قليلة قبل أن يجيب عن سؤال : من هي؟، وجدته نظر لي بمكر قبل أن يسألني : ألاتعرف عمن أتحدث ياصديقي ؟ .
قلت : نورهان ؟ أتقصد نورهان؟ لم أكن أرغب أن أظهر إنني لازالت أتذكرها، خاصة لو لم تكن هي من يقصدها.
ولم أكن أرغب أن أتعرض لوجع وألم لا أتحمله لوعرفت جديدا عنها يتعارض مع مشاعري.
لكني لم أستطع أن أخفي لهفتي في معرفة أي أخبار عنها.
وقلت لنفسي من المؤكد يقصدها هي؛ فلم تكن لي أي تجارب عاطفية إلا معها هي، ولم تكن لي صديقة ترقى أن يهتم بأن يحدثني عنها ويعرف إني سأهتم بوجودها هنا سواها.
إذن هل يقصد نورهان، هل أنا بالفعل أعيش لحظة حقيقية أم أنه حلم أو تهيؤات بسبب الوحدة؟؟.
إقرأ أيضاً: قهوة سادة على رصيف الذكريات
نورهان !
قال وهو يبتسم بنظرة يملؤها الحنان بعد أن لمس مشاعري : نعم ، هي، نورهان، تزور الآن دبي في مهمة عمل.
واسترسل في الكلام بينما كنت أمنع دموعي من النزول : عرفت ذلك لأنها صديقة لي على الفيسبوك منذ سنتين.
وواصل حديثه وجدنا بعضنا البعض مصادفة في العالم الإفتراضي، وما أن أرسلت لها طلب صداقة حتى تذكرتني.
و… تحدث طويلا عن عملها ونجاحها، وحيويتها كما كانت في الماضي، بينما كنت أفكر فيها واستعيد الذكريات القديمة.
وشعرت كما لو أنني لم أتركها للحظة، ترى ألازالت متيما بها إلى هذا الحد؟.
لكن برغم كل ما قاله عنها لم يشير إلى أهم ما أريد أن أعرفه : هل هي متزوجة الآن .
قاطعته : قل لي هل هي متزوجة أرملة مطلقة ؟
رد : لماذا تسأل ؟ مالذي يهمك في ذلك وانت متزوج؟
عاودت السؤال، فرد : أرملة، توفى زوجها منذ سنوات في حادث أليم، و تزوجت إبنتها الوحيدة وتعيش مع زوجها في هولندا.
لقاء الحب الأول
لم يمر على هذا الحديث سوى عدة ساعات، حتى التقيت بها، كان حديث وصديقي في الليل، ولقائي بها في الصباح بمساعدته.
بعض الصدف التي نشاهدها في الأفلام أو الروايات نعتقد إنها خيال ومن غير الممكن أن تتحقق في الواقع.
لكن الواقع قد يشهد الأغرب و الأكثر لامعقولية.
وهذا ماحدث في قصتي مع نورهان، عدت إليها وعادت إلي و قررنا الزواج في دبي، بعد أن صارحت زوجتي بكل شيء.
لم تغضب زوجتي، لأنها لم تحبني يوما، وزادت الغربة من الجفاء بيننا.
هي من اختارت في البداية المال، والاستمتاع به في مصر مع عائلتها ومع أبنائي بعيدا عني، لذلك رفضت أن ترافقني في غربتي.
وهي من اختارت في النهاية وكما توقعت تعويضا ماديا ضخماً مقابل الطلاق في هدوء.
ومقابل عدم جعل أبنائي يكرهونني أو يقاطعونني؛ حيث اتفقت معهم على تبادل الزيارات وتلبية أي احتياجات معنوية أو مادية.
إقرأ أيضاً : أفكار مبتكرة لهدية حبيبتك في عيد الحب؟
ومرت سنوات و عشت مع زوجتي نورهان في سعادة واستقرار، واستعدت حماسى للعمل، و السفر والخروج وشعرت لأول مرة منذ عقود بمعنى الحياة وجمالها.
وأيقنت أن الحب الأول قد يكون هو الحب الحقيقي الوحيد في حياة البعض!، والذي يعيش مهما مرت السنون.
وبعد تجربتي هذه أستطيع التأكيد على أن النجاح في الحياة العملية وحدها لايكفي؛ وأن السعي وراء المال و المركز الإجتماعي أو الشهرة غير كافِ بالمرة، حتى لو اعتقدنا ذلك لفترة من الزمن .
فثمة جانب آخرمن الحياة ينبغي أن نعيشه ونستمتع به إنه المشاعر… المشاعر الدافئة .
إذا كان في حياتك تجربة أو مشكلة تحب أن تشاركها مع الآخرين، إرسلها لنا وسننشرها لك مع الإحتفاظ بخصوصية البيانات وذلك على :