بقلم : أجدور عبد اللطيف
يتخذ الموروث العربي، خاصة اللامادي منه، على شاكلة أغلب الثقافات الإنسانية، الحمار رمزا للغباء والسذاجة، كما أن مجرد ذكره إحالة مباشرة على صفة العجز عن ضبط الغرائز: “يأكل مثل حمار”، أما إذا كسر شخص شيئا أو داسه، فيوصم بالحمار، كونه فجّا تعوزه الكياسة.
تسري هذه الحمولة الثقافية المشحونة بالصفات القدحية، جريا على دأب العديد من الأساطير التاريخية، والسرديات الأدبية التي أضفت على هذا الحيوان، في مواقف مختلفة، صفة سذاجة ظلت لصيقة به في الذهنية العربية حتى اليوم، على غرار، حكايات كليلة ودمنة، التي اتخذته كوبارسا يقتصر يتم اللجوء إليه في كل مرة للعب دور الضحية، وموضوعا معتادا للمكائد. وكذا قصص جحا، التي أفردت في الموروث العربي، حكايات ساخرة كثيرة، تشترك أغلبها في تصوير الحمار حمارا.
إقرأ أيضا:التذوق اللغوى بلسان العرب
الحمار في حياة الإنسان
يُعد هذا الحيوان، رغم كل ما سلف، عنصرا حيويا في حياة الإنسان عبر التاريخ، بل ما يزال هذا الكائن المكابر الصموت المتمسكن، حتى يومنا هذا، يشكل عصبا مركزيا في حيوات البشر في ثقافات متعددة، فإذا أخذنا حياة البادية في المغرب مثلا؛ فغياب الحمار يعني عدم زيارة السوق، وعدم القدرة على جلب كيس الطحين وقناني الزيت، وقوالب السكر، يعني غياب الحطب والكلأ والغلال، وغياب جرار الماء، يعني توقف عمليتي الحرث والدرْس، ويعني عدم دوران معصرة الزيت ولا طاحونة الزرع، يعني عدم القدرة على البناء لانعدام من يجلب مواده من طين وحجر، يعني غياب من ينقل العروس وجهازها إلى بيت زوجها، ليلة الزفاف. إن غياب الحمار، ببساطة، يعني توقف الحياة، وإن لم نجازف بالقول باستحالتها، إلا أنها تصبح حياة مضنية، وشبه مشلولة.
رواية “سيرة حمار” لحسن أوريد
تناولت العديد من الأعمال الأدبية القديمة، والمعاصرة، في الأدب العربي بالتحديد، شخصية الحمار، مُقاربة هذه العناصر الثراثية، مُحاولة نقل الصورة النمطية عنه إلى مستوى آخر، يُمنح فيها لهذا الحيوان الصبور، فرصة الفكاك من تلك النظرة الميكانيكية التي غلته لقرون، ومن أجمل تلك الأعمال وأنجحها رواية “سيرة حمار” للكاتب حسن أوريد.
شحن الروائي، على امتداد أطوار الرواية، العديد من المواقف السردية التي يعتبر الحمار مشاركا فيها، بصفات الغباء، تتجلى في المعاملة التي لقيها من الناس في السوق أولا. وصفة الذلة، التي تتضح في علاقته بالحيوانات الأخرى حين حبسه في الحظيرة ثانيا. وكذا الغريزة الحيوانية ، كما في لقائه بالفرس في القبيلة التي حل بها أخيرا.
الجميل، في نسيج الحبكة الروائية عند حسن أوريد، أن توظيف العناصر الخيالية مكنته من منح الحمار بعدا إنسانيا، يسعه التفكير والنقد، والمحاولة الجادة المكثفة المستمرة، في الفكاك من الحالة الحيوانية الجديدة، من حيث هي جبلة، واضطرار. تلك المحاولات الأفلاطونية، للرقي، والخلاص من صفات بهيمية تكرّس النظرة الدونية والمكانة الاحتقارية السارية، تلك المحاولة للتسامي، هي ما يشترك فيه حقيقة، الحمار في الرواية هذه، مع الإنسان في حياته اليومية.
إقرأ أيضا : التربية الثقافية … ضرورة حياتية
“حمار الحكيم” ل توفيق الحكيم
أما عند توفيق الحكيم في روايته “حمار الحكيم”، الذي منحه صفة الفيلسوف، في رمزية موغلة في الدقة، والذكاء، كون الغباء اللصيق بالحمار، في الكثير من الأحيان، لا يعدو كونه خروجا عن المألوف، وانشغالا بما يعجز الناس عادة عن فهمه، لانصرافهم عنه، بما هو في اعتقادهم، هامشي، وغير ضروري، فيرمونه على مضض بالغباء، دفعا لمشقة تتبع منعرجات الوعي الحادة.
رواية “الحمار الذهبي” للوكيوس أبوليوس
أما الكاتب لوكيوس أبوليوس أو أفولاي في رواية “الحمار الذهبي”، تبعا لظروف سردية معينة، يتحول خلالها إنسان إلى حمار دون فقدان، صفاته الإنسانية، الفكرية خصوصا، قام بتصوير ملكة استخدام العقل وبالا على صاحبها، حيث يعني ذلك نقد الكثير من الممارسات الحاطة من قدر الإنسان وكرامته، أو المقيدة لحريته، والساعية إلى تنميطه وإسكاته، وإخماد آرائه وجذوته. لا سيما في مجتمعات مغرقة في أساليب تفكير خرافية، ونمطية، لأسباب تاريخية، وسياسية، واجتماعية، واقتصادية. وهي الفكرة التي يشترك فيها مع حسن أوريد في رواية “سيرة حمار”، وبشكل أقل، مع الكاتب جورج أوريل في “مزرعة الحيوان”.
الحمار في الأدب المغربي
إن تركيز الكتاب المغاربة على الحمار، لخصوصيته الثقافية المتفردة في المجتمع المغربي، تعكس قدرتهم الكبيرة، عند تسخيرهم للمخيلة الخلاقة، والرمزية بذكاء وكياسة، على تمرير رسائل اجتماعية وسياسية وأخلاقية مهمة، في قالب فني متميز، يتسم بالمرونة، والمتعة، وبلاغة الرمزية والمجاز.
اكلمات المفتاحية
#الحمار #الحمار في الأدب العربي # الحمار في حياة الإنسان #حمار الحكيم #توفيق الحكيم #الحمار في الأدب العالمي # رواية “الحمار الذهبي” لأفولاي # الحمار في الأدب المغربي #الحمار الذهبي # رواية “سيرة حمار” للكاتب حسن أوريد #سيرة حمار # حسن أوريد # لوكيوس أبوليوس #رمز الحمار في الثقافة