إذا لم يكن من نزول البحر بد تزداد سرعة تدفق المعلومات بشكل يصعب السيطرة عليه، وتتعدد مصادرها بشكل مخيف، وأمام هذا الكم الهائل من المعلومات وأمام تدفقها المستمر والكثيف عبر قنوات متعددة تخترق جدران البيوت وتتسلل إلى عقول أبنائنا دون قدرة حقيقية لنا على إحكام السيطرة عليها؛ حيث إن أحد أهم مصادرها هو الانترنت الذي بات رفيقا لكل ابن من أبنائنا فإن الحاجة داعية إلى تدريب أبنائنا على كيفية التعامل مع هذه المعلومات وإعمال العقل فيها لتمييز الجيد والردىء منها وفقا لأسس ومعايير معينة .
ولعل من أهم ما يجب أن تحرص عليه الأسرة هو أن تعمل على زرع القيم والأخلاق الحميدة في نفوس أبنائها منذ الصغر وأن تعمل على تكوين بناء فكري ومعرفي معتدل وقوي يضمن قدرا كبيرا من المناعة الفكرية والمعرفية أمام موجات الاستقطاب والتأثير على أفكار الشباب عبر الوسائل الرقمية المختلفة.
كما أن المصارحة والمكاشفة واكتساب ثقة الأبناء والقرب الروحي والفكري منهم يعد من الأمور المهمة التي تساعد الأسرة على تتبع مسار أي انحراف فكري أوسلوكي والقيام بدورها في التوجيه والإرشاد في مراحله الأولى، ليس هذا فحسب بل يجب أن يتعلم الأبناء نقد كل ما يتلقونه من معلومات وتقييم مدى صحتها ومدى مصداقية المصدر الذي أتت منه المعلومة وهل تتفق مع المنطق أم لا وهل يوجد تعارض بين المعلومات التي يتم عرضها أم أنها معلومات تتمتع بقدر من الاتساق والمعقولية ؟ .و التفكير في كل معلومة بطريقة عقلانية بعيدة عن التأثيرات العاطفية المفرطة.
إن المشاركة الواعية للمعلومات وتناولها بشكل تحليلي ونقدي سيعمل بلا شك على مساعدة أبنائنا على تكوين قاعدة معرفية قوية ثابتة راسخة تستطيع أن تقاوم أي عمليات لتشويه الأفكار أو غرس أفكار وقيم مشبوهة،ولا يخفى أن حروب الجيل الرابع هي حروب سيكولوجية تتخذ من الحرب النفسية والفكرية سلاحا أساسيا لها ،وتستخدم لتحقيق ذلك العديد من القنوات والوسائط الإعلامية وصفحات الفيس بوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الأكاذيب والشائعات والتضليل الإعلامي والمغالطات المنطقية بهدف تشويه الحقائق وخلق حالة من عدم الثقة في منظومة القيم والمعتقدات والأفكار السائدة في المجتمع؛ ومن ثم إضعاف الروابط والصلات بين الفرد ومحيطه الاجتماعي.
لذلك إذا كان لابد من التعرض لهذا الكم من المعلومات وإذا كنا بالفعل غير قادرين على السيطرة على هذه الأمر؛ نظراً لتعدد المصادر والضرورة الحياتية والعملية لاستخدامها، فإن الأسر بحاجة ملحة على تدريب أبنائها على “السباحة الإلكترونية” بل “الغوص الإلكتروني” عبر تدريبهم على كيفية التعامل مع المعلومات و الغوص في أعماق المعرفة على الإنترنت، من خلال التناول بشكل نقدي ومناقشتهم في كل ما يجول بخاطرهم من أفكار والاستماع لحواراتهم وأفكارهم باهتمام بالغ ومحاولة تأصيل كل فكرة يتم تناولها ووضعها في إطارها الحقيقي والحكم عليها في ضوء منظومة القيم والأخلاق السائدة في المجتمع.
إضافة ً إلى العمل بشكل مستمر على تنمية ثقتهم بأنفسهم، ورفع مستوى الصلابة النفسية والفكرية لديهم وتدريبهم على استقلالية التفكير واستقلالية اتخاذ القرار، بما يتضمنه ذلك من استخدام التفكير العلمي كأسلوب أساسي لحل المشكلات واستخدام القراءة الناقدة كطريقة لتحليل ونقد والحكم على أي نص.