شهر رمضان … يطل علينا كعادته محملاً بالنفحات الإيمانية، والروحانية، التي تملأ القلوب وتضيء النفوس.
إنه ليس مجرد شهر في التقويم، بل رحلة سنوية تعيد تشكيل علاقتنا مع الله ومع أنفسنا؛ فنجد فيه ما نفتقده طوال العام من السكينة والطمأنينة.
منذ اللحظة التي يهل فيها الهلال، تنقلب الحياة إلى نسق مختلف، وكأن العالم يتجدد بروحانيات هذا الشهر الكريم.
في شهر رمضان يصبح الزمن مختلفًا تتغيرالأولويات، وتتحول الحياة إلى طقس من العبادة والطاعة والتأمل.
الصيام بحق ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو درس في الصبر والتحكم في الشهوات وتهذيب للنفس.
الحكمة الإلهية من الصيام
إن شهررمضان تذكير بأن الإنسان أقوى من رغباته، وأن الإرادة الحقيقية ليست في الامتلاك بل في القدرة على الاستغناء.
هذا الشهر الكريم يعيد إلينا الإحساس بمعاناة الآخرين؛ فحين نجوع ونعطش؛ نشعر بآلام الفقراء الذين يعيشون هذه الحالة يومياً.
وهنا تتجلى الحكمة الإلهية من الصيام؛ فهو ليس مجرد عبادة، بل تجربة عملية تعيد إلينا إنسانيتنا، وتزرع فينا قيم العطاء والتكافل.
الخير في شهر رمضان
تجد الناس يتسابقون لفعل الخير، فيمتد العطاء، وتنتشر موائد الرحمن، وتصبح القلوب أكثر رحمة.
وكأن شهر رمضان يذيب الفوارق ويوحد الجميع في بوتقة واحدة من المحبة والتراحم والتعاون و التكافل.
هو الشهر الذي تصفو فيه القلوب؛ فمع كل ركعة في صلاة التراويح، ومع كل آية تُتلى في جوف الليل، نشعر بأننا أقرب إلى الله، وأكثر طمأنينة وسلاماً.
وهو فرصة للغفران، حيث تُفتح أبواب الرحمة ، ويتسابق العباد لنيل رضا الله؛ فالسعيد من اغتنم هذه الأيام المباركة.
الدروس التي يعلمها لنا الشهر الكريم
والسعيد هو من وقف بين يدي ربه طالباً العفو والمغفرة في شهر رمضان، الذي لا يخلو من الدروس العميقة التي تعيد صياغة حياتنا.
يعلمنا أن القوة ليست في الغضب، بل في ضبط النفس، وأن السعادة ليست في كثرة الطعام، بل في القناعة والرضا.
كما أنه يذكرنا بأن الوقت ثمين، وأن العمر يمضي سريعاً؛ فمن ضيعه فيما لا ينفع، خسر فرصة قد لا تتكرر. ورغم تسارع الحياة يفرض شهر رمضان إيقاعه الخاص، وكأنه يبطئ العجلة المتسارعة؛ لنستعيد لحظات الصفاء، ونراجع أنفسنا، ونعيد ترتيب أولوياتنا.
شهر رمضان .. فرص لاتُعوض
إنه فرصة لترك العادات السيئة، والتمسك بما ينفع القلب والروح، وهو فرصة للعودة إلى القرآن، ليس فقط بالتلاوة بل بالتدبروالتطبيق.
كما أن شهر رمضان يمنحنا فرصة لإصلاح العلاقات؛ فهو شهر التسامح والمصالحة؛ حيث تذوب الخلافات، ويصبح العفو سيد الموقف.
وكثيرون وجدوا في رمضان لحظة لإعادة بناء الجسورالمقطوعة مع أحبابهم؛ فالمغفرة لا تأتي فقط من الله عز وجل.
بل تأتي المغفرة أيضاً من قلوب البشر التي تتسع في هذا الشهر لكل معاني التسامح والمحبة و الرحمة.
إقرأ أيضاً للكاتب : الصداقة .. الحصن الذي يواجه رياح الحياة
لاتكن ممن يفوتون فرص شهر رمضان
لكن للأسف يمر شهر رمضان على البعض كأي شهر آخر؛ فينشغلون عنه باللهو والتسلية، ويضيعون أوقاته الثمينة فيما لا يفيد.
هؤلاء يخسرون فرصة نادرة للتغيير؛ لأن رمضان ليس فقط للصيام، بل لتجديد العلاقة مع الله، ومع النفس، ومع المجتمع .
وشهررمضان ليس مناسبة عابرة؛ بل رسالة متجددة، تعلمنا أن بإمكاننا أن نكون أفضل، وأن الحياة يمكن أن تكون أكثر نقاءً.
ذلك لو التزمنا بقيم هذا الشهر طوال العام؛ فكم منا يشعر بعد رمضان بحنين إلى تلك الأجواء الروحانية.
وكأن بذلك هذا الشهر كان واحة من الصفاء، وسط صخب الحياة؛ ليترك فينا أثرا عميقًا يستمر حتى بعد رحيله.
إقرأ أيضاً للكاتب : مفارقات الحياة .. حين تصبح البساطة معقدة !
رمضان … شهر التجديد
إن أجمل ما في شهررمضان، أنه يمنح الجميع فرصة جديدة؛ فهو شهرالتجديد وشهر الفرص التي لا تعوض.
من كان بعيداً عن الله، يستطيع أن يعود، ومن كان مثقلًا بالذنوب، يجد فيه باب التوبة مفتوحاً.
ومن شعر بأن قلبه امتلأ بالهموم و الضغوط، وجسده يشعر بالتعب، سيجد فيه السكينة والراحة.
ولعل أعظم ما نختم به هذا الشهر هو الدعاء بأن يتقبل الله أعمالنا، ويجعل رمضان نقطة تحول حقيقية في حياتنا.
فليس المهم أن نصوم الشهر، بل الأهم أن يترك أثره فينا، وأن نخرج منه بقلوب أنقى، ونفوس أصفى، وعلاقة أقوى بالله.
شهررمضان هو أكثر من مجرد شهر؛ إنه فرصة للحياة من جديد؛ فلنغتنمها قبل أن تمضي، كما مضت رمضانات كثيرة قبلها.
تاركة فينا أثراً من نور، وحنيناً إلى لحظات لم نقدر قيمتها، إلا بعد زوالها؛ فلنتعلم ونتعظ في شهر رمضان هذه السنة.