كتبت : ندى علي
سينما الترسو … تلك السينما التي كانت تُصنف بإعتبارها “درجة ثالثة”؛ حيث المقاعد البالية و”الأفلام دون المستوى”، نجح الفنان التشكيلي رضا خليل أن يحولها لسردية بصرية توثيقية لجانب مهم من التاريخ السينمائي و الإجتماعي المصري من خلال 36 لوحة ضمها معرضه الأخير.
جسد الفنان مشاهد درامية، ولقطات راسخة في الذاكرة العربية عبر أعماله التي دارت حول السينما التي شكلت الملاذ الآمن للبسطاء في مصر ذات يوم، يشاهدون فيها نجوم الفن، ويستمتعون بأفلامهم في لحظات يسرقونها من حياتهم المثقلة بالضغوط والأحزان.
قد يثير دهشة المتلقي أن تكون “سينما الترسو” موضوعاً لمعرض فني؛ لكنها بالنسبة للفنان رضا خليل هي عالم مليء بالإنسانية والفن والذكريات لدى قطاع كبير من الجمهور المصري، يقول التشكيلي القدير ل”أذواق”:”برغم السمعة غيرالطيبة ل”سينما الترسو”، فهي تظل متنفساً وملاذاً للكثير من المهمشين والبسطاء من الفقراء والصنايعية؛ فكانت السينما بمثابة تثقيف لهم، ومساهمة لترقيق الطباع وتهذيب السلوك الخشن لتلك الفئات”.

على مسطح اللوحات الزيتية والأكريلك في المعرض والتي استخدم فيها الفنان أسلوب (البوب أرت) وغيره من الأساليب الفنية تلتقي بفنانين أثروا الوجدان العربي، ولعبوا دوراً كبيراً في تنوير فكرهم عبر أعمال سينمائية جادة، ناقشت قضايا محورية، كما نلتقي بنجوم الكوميديا، الذين أدخلوا البهجة على القلوب، ورموز الفلكلور الشعبي الذين حافظوا على الهوية المصرية، فضلاً عن مشاهد مؤثرة من أفلام إجتماعية انتصرت لمفهوم الأسرة والترابط الإجتماعي، وغير ذلك من أعمال تجعل من المعرض بمثابة توثيقاً لحقبة مهمة من التاريخ المصرية.

فتلتقي على سبيل المثال بالفنان محمود المليجي أيقونة الشر في السينما المصرية، وتسترجع مع أفلامه التي قدم فيها دور النصاب و اللص، أوالشريرعموماً، لكن بأسلوب خاص و أداء راق يعبر عن المجتمع في ذلك الوقت، حتى فيما يتعلق بهذه الفئة!، كما تستعيد دوره في فيلم “الأرض” حيث عزة النفس والصلابة والتحدي.
كما نلتقي بشكوكو إبن البلد “صوت أولاد البلد”، ولسان حال الصنايعية والأسطوات وحلم بنات البلد، يقول رضا خليل “ألهمني لأنه لون فرض نفسه علي السينما منذ الأربعينيات، بخفة ظله وحيله وصوته المميز”.
ونعود من خلال لوحات أخرى في المعرض المقام بغاليري “أرت كورنر” تحت عنوان “سينما ترسو” لأفلام سعاد حسني و نجيب الريحاني و هدى سلطان وإيمان، و سعد عبد الوهاب، و شادية، وعبد المطلب و زينات صدقي و محمود عبد العزيز غيرهم، ومما أضفى على اللوحات لمسات من الطرافة والدهشة والتأمل، أن بعض النجوم الذين جسدهم الفنان صاحبهم بعض مشاهير الفن التشكيلي العالمي .

يقول الفنان ل”أذواق:” إن سينما الترسوهي جزء من التاريخ الثقافي للوطن، إندثر وإنتهى، لكنه باق في الوجدان؛ يحكي الكثير عن مصر … الفن والمجتمع زمان”.
وفي كلمته عن المعرض كتب رضا خليل :”عندما بدأت بعمل لوحات هذا المعرض والمستوحاة من سينما الترسو، فأننى أقوم بتأريخ جزء من التاريخ الثقافى السينمائي المصري، وحقبة من حياتي الشخصية ايضاً، وربما لاتعرف الأجيال الجديدة “سينما الترسو “التى كانت يوماً ما هى “سينما الأغلبية” و”سينما الشعب””. ويتابع موضحاً :”الترسو لفظ شعبى يطلق على كل ما هو متواضع المستوى، ويصنف كدرجة ثالثة، وربما أنحدرلفظ ترسو من الإيطالية بمعنى الأطراف أو الجذوع، ويقول البعض أنه يشير إلى الترس رمز العمال والماكينات”.
ويضيف خليل “وتشتهر تلك “السينيمات” التى كانت تنتشر فى معظم الأحياء الشعبية أولاً إنها كانت تعرض عدد من الأفلام يتراوح بين الثلاثة، وربما أربعة أفلام فى حفل واحد، وثانيا كان تذكرة سينما الترسو زهيدة الثمن بالنسبة للسينيمات الأخرى؛ مما يشجع الفقراء وتلاميذ المدارس على شرائها” .

و يلفت “وتعتمد سينما الترسو على عرض الأفلام الحديثة بعد إنقضاء عرضها بدور العرض الكبيرة بفترة، وأيضا عرض الأفلام التى يمنع عرضها بالتليفزيون؛ بسبب عرضها لقطات عنيفة ومشاهد إغراء، كفيلم “أبى فوق الشجرة” والذى يحتوى على قبلات عديدة”.
و”قد عرفت سينما الترسو فى المرحلة الإعدادية عن طريق زملاء المدرسة، ممن أكثر خبرة منى بالشارع وخباياه، فكنا نتسرب من المدرسة ونذهب كمجموعة إلى سينما “الحلمية”؛ لنشاهد أفلام الكاراتية للنجم “بروسلى ” ولأول مرة اتعرف على تلك السينيمات المتواضعة المستوى وجمهورها من المهمشين والبسطاء والغوغائيين”.
وتعددت الزيارات للسينما وغيرها كسينما (وهبى) وسينما على بابا وسينما(سهير) بالعباسية وكانت تشتهر بأن عربة الشرطة (البوكس) تقف بمحاذاة باب السينما فى انتظار خروج الرواد؛ لتنتقى منهم مجموعة من الخارجين على القانون كالنشالين وتلاميذ المدارس (المزوغين) لقسم الشرطة وعمل محاضر لهم وتسليم التلاميذ الى أولياء الأمور!.
و”كان هناك سينمات سيئة السمعة كسينما الكواكب بمنطقة الدراسة فكنا نتحاشى إرتيادها، وكان العامل المسؤل عن إدارة ماكينة العرض يتحكم فى مدة عرض الفيلم حسب مزاجه الشخصي؛ فكثيرا ما كنا نشاهد أفلام كاملة، وفى اليوم الثانى نشاهد نفس الفيلم فنكتشف أن العامل قام بقص نصف مدة العرض !!؛ فيتعالى الصفير والشتائم للعامل والسينما” .
و”كان لرواد تلك السينمات مصطلحات خاصة بهم كالشجيع الذى يطلق على بطل الفيلم ورئيس العصابة وغيرها من المصطلحات ،وفى هذا المعرض أقدم بعض لمحات من تلك الأيام بإستحضار بعض نجوم وأجواء السينما فى إنطباعات شخصي”.

إقرأ أيضاً : معرض “شرقيات … حسن الشرق ” في غاليري “سلامة “
إقرأ أيضاً: معرض “نفس عميق”… السعادة في لحظات قصيرة وتفاصيل صغيرة
إقرأ أيضاً : معرض “والأشياء لها روح “… الفن يستحضر الحنين إلى الماضي
الكلمات المفتاحية
#سينما ترسو… تسرد أحلام البسطاء و المهمشين تشكيلياً،#معرض سينما ترسو،#سينما الترسو،#معرض فني،#السينما المصرية،#أفلام،#معرض رضا خليل،#التشكيلي رضا خليل،#مشاهد درامية،#الأسرة،#الكوميديا،#الإنسانية،#الفن،#ذكريات،#لوحات،#لوحات زيتية،#أكريلك،#نجوم، #أذواق، #فنان تشكيلي،#جاليري أرت كورنر