بقلم : شحاته زكريا
في عصر التكنولوجيا المتسارعة حيث تتحول الشاشات إلى نوافذ تطل على عوالم لا متناهية من الترفيه والمعلومات يجد الأطفال أنفسهم غارقين في بحور من المحتوى الرقمي، الذي يسلب انتباههم، ويعيد تشكيل إدراكهم للعالم من حولهم.
لم يعد المشهد اليومي لطفل ممسك بهاتفه أومنغمس في لعبة إلكترونية أمراً استثنائياً بل صار القاعدة، بينما أصبحت اللحظات التي يقضيها بعيداً عن الشاشات هي الاستثناء؛ لكن هل فكرنا يوماً فيما يخسره الأطفال أثناء إنجذابهم لهذا العالم الافتراضي؟ .
هل توازي هذه المتعة الرقمية الفوائد الحقيقية التي يحتاجها الطفل لنموه الجسدي والعقلي؟ الحقيقة أن الشاشات ليست مجرد أدوات للترفيه، بل هي ساحات خفية تؤثر في تكوين شخصية الأطفال بطرق قد لا يدركها الآباء إلا بعد فوات الأوان.
عزلة رقمية في عالم مزدحم
المفارقة أن العالم اليوم أكثر ترابطاً رقمياً من أي وقت مضى، لكنه أكثر انقطاعاً على المستوى الإنساني، الأطفال الذين كانوا في الماضي يملأون الأزقة والساحات بأصوات ضحكاتهم وركضهم، أصبحوا أسرى عوالم صامتة داخل شاشات ساطعة؛ حيث تحل الشخصيات الإفتراضية محل الأصدقاء الحقيقيين، وتحل التحديات الرقمية محل التجارب الواقعية.
الطفل الذي كان يتعلم مهارات الحياة من التفاعل مع الآخرين بات يجد في الألعاب الإلكترونية بديلاً يوفر له الشعور بالإنجاز واللإنتصار، لكنه يحرمه من التعلم الحقيقي الناتج عن المواجهات الفعلية مع الواقع.
كيف يتعلم الصبر إن كان كل شيء يحدث بلمسة زر؟ كيف يتقن فن التواصل إن كان الحوار مقتصراً على الرسائل النصية والرموز التعبيرية؟.
العقل بين التشتت والإدمان
دراسات حديثة تشيرإلى أن قضاء الأطفال فترات طويلة أمام الشاشات يؤثر بشكل كبير على قدراتهم العقلية والإدراكية، التركيز أصبح مهارة نادرة والقدرة على القراءة العميقة والتفكير النقدي تتضاءل في مقابل ثقافة الاستهلاك السريع للمحتوى.
ومواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الفيديو القصيرة تخلق نمطا جديدا من التفكير يعتمد على التفاعل اللحظي ، مما يجعل الطفل أقل صبرا على التعلم وأقل قدرة على مواجهة التحديات الطويلة المدى، لكن الأخطر من ذلك هو أن هذه العوالم الإفتراضية ليست مجرد منصات ترفيه، بل هي منظومات تجارية متكاملة مصممة بعناية لاستغلال وقت المستخدم إلى أقصى حد.
كل لعبة إلكترونية وكل تطبيق وكل منصة فيديو تمتلك خوارزميات مصممة؛ لجذب الانتباه لجعل الطفل يبقى لدقائق إضافية ، ثم ساعات ، حتى يفقد الإحساس بالوقت تماماً.
بين العنف والتشوه الإدراكي
لا يمكن تجاهل التأثير النفسي العميق الذي تتركه بعض الألعاب والمحتويات الرقمية على الأطفال، مشاهد العنف التي أصبحت عنصرا أساسيا في العديد من الألعاب تخلق تطبيعا تدريجيا مع العدوانية، وتجعل الطفل أكثر تقبلا لفكرة الصراع كوسيلة لحل المشكلات.
كما أن المحتوى المرئي الذي يُعرض بشكل مستمر يساهم في تشكيل صورة مشوهة عن الواقع، حيث يصبح الجمال مرتبطا بالفلاتر والنجاح مرتبطا بعدد الإعجابات، والسعادة مرهونة بالمظاهر الرقمي، الحل: التوازن لا الحرمان؛ قد يكون من المستحيل اليوم فصل الأطفال تماما عن العالم الرقمي، لكن الحل لا يكمن في المنع ، بل في تحقيق التوازن.
يجب أن يكون للآباء دور نشط في توجيه أطفالهم نحو الاستخدام الواعي للتكنولوجيا، بأن يصبحوا قدوة في إدارة الوقت الرقمي، ويشجعوا أنشطة حقيقية تعزز مهارات الطفل الحياتية.
إعادة الاعتبار للألعاب التقليدية والأنشطة الرياضية والقراءة، والتفاعل الاجتماعي المباشر ، يجب أن يكون جزءا من الحياة اليومية للطفل، كما أن توجيه الأطفال نحو المحتوى الهادف بدلاً من الاستهلاك العشوائي يمكن أن يحدث فرقا ً في طريقة تفاعلهم مع العالم الرقمي، نحن أمام جيل جديد تحدياته مختلفة، لكن الحل يكمن دائمًا في التوازن.. لنكن الجسر الذي يربط بين العالم الرقمي والواقع لا السياج الذي يفصل بينهما.
إقرأ أيضاً للكاتب : مفارقات الحياة .. حين تصبح البساطة معقدة !
إقرأ أيضاً: الذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق : أم كلثوم أسطورة تتحدى الزمن
إقرأ أيضاً: من وحي كتاب “إنجح من أجل نفسك”:ما هي أسرارالنجاح ؟
الكلمات المفتاحية
#سحر الشاشات، #كيف نحرر الأطفال من قبضة العالم الرقمي؟،# العالم الرقمي،# عصر التكنولوجيا،# المحتوى الرقمي،# لعبة إلكترونية،# إدارة الوقت الرقمي،# العوالم الإفتراضية،#منصات رقمية،#عزلة رقمية،#الأطفال،# خوارزميات،#مواقع التواصل الإجتماعي،##شحاته زكريا