شهر رمضان سنوية للروح والجسد والعلاقات الاجتماعية؛ تأخذنا الحياة أحياناً إلى حيث لا نشتهي، وتأخذ الأيام والشهور ليس من أعمارنا فقط، ولكن أيضا من تمسكنا بما يصلح أرواحنا وأجسادنا؛ فنذهب بعيدا عما ينفعنا بفعل النسيان تارة وبفعل الإنشغال والإلهاء وغيرها تارة أخرى.
فنجد أنفسنا وقد أتعبنا هذا الخروج عن النص محتاجين إلى ما يشبه إعادة الصيانة لإصلاح ما أفسده مرور الأيام والليالي، و يعتبر شهر رمضان فرصة ثمينة لا يدرك قيمتها إلا من أضناه التعب وأرهقه البعد عن المسار الصحيح؛ حيث تتيح هذه العبادة الفريدة للفرد أن يعيد ترتيب ذاته وحياته لتستقيم على شكلها الصحيح الذي يضمن لها استقراراً نفسياً وروحياً واجتماعياً يأخذها إلى حيث الإنتاج والإيجابية والتفاؤل والإنجاز.
وتتمثل أهمية هذا الشهرالكريم فيما يتيحه من تهذيب للجسد بالصيام الذي أجمع العلماء على فوائده الكبيرة للجسد والحفاظ على صحته وحيويته وتخليصه من السموم وكثير من الآفات الضارة .
وليس هذا فحسب بل إن الروحانيات التي تصاحب هذه الفريضة العظيمة تعمل على تحقيق أكبر قدر من الاسترخاء الذهني والعضلي للفرد يشعره بمزيد من الاطمئنان والرضا والسعادة والقناعة والتفاؤل والإقبال على الحياة، غير أن ما يجب التركيز عليه بشكل أكبر هو بعض العادات والتقاليد الرمضانية والتي لها مردود اجتماعي إيجابي كبير .
ذلك أن اجتماع الأسرة على مائدة الطعام أصبح مشهداً مرتبطا إلى حد كبير بالإفطار في رمضان؛حيث تجتمع الأسرة في وقت واحد على مائدة واحدة لتناول الطعام، وهي عادة تعمل على إبقاء الأسرة في حالة من الود والترابط والألفة والقرب مطلوبة؛ لضمان استقرار الأسرة ونموها اجتماعياً، ليس هذا فحسب بل إن الأمر قد يتعدى حدود الأسرة الصغيرة ليشمل الأسرة الكبيرة والمعارف والأصدقاء حيث تبادل الزيارات لتناول الإفطار. وهي من أهم مميزات شهر رمضان ذات الصلة بالجانب الاجتماعي حيث تعمل هذه العادة على تقريب المسافات بين الأسر والعائلات وزيادة الألفة والحب وتوثيق الصلات العائلية وتقوية الروابط الأسرية وإنهاء الخلافات إن وجدت .
قد يهمك أيضا : أبجديات الحياة الزوجية ! (azwaaq.com)
كما أن اجتماع أبناء الحي الواحد أو المتجاورين في السكن في مكان واحد لأداء صلاة التراويح يعمل على بناء شبكة علاقات جديدة وقوية وتقوية الروابط بين الجيران، وزيادة الألفة بينهم ومعلوم أن الإنسان اجتماعي بطبعه، ولذلك فإن النشاط الاجتماعي الفريد الذي يقوم به الفرد في رمضان يمنحه قدرا من الرضا عن ذاته والشعور بجودة الحياة ويمنحه الشعور بالسعادة التي هي غاية ما يطمح إليه الإنسان.
وليس خفيا أن تأثير هذه الروابط الاجتماعية كبير جدا على الصائم حيث يمنحه مزيدا من الصبر ومزيدا من التحفيز أيضاً، وييسرعليه القيام بمهام الصيام الأخرى، والتي لا تقتصر على مجرد الامتناع عن تناول الطعام والشراب، وإنما أيضا ضبط النفس وصيانتها عن اللغو والخطأ والتحكم في اإنفعالات واللطف والتسامح وغيرها من الأخلاق الحميدة التي تعيد الفرد مرة أخرى إلى فطرته السليمة التي فطره الله عليها بعد أن حرفتها الأحداث والمواقف التي مر بها الفرد.
قد يهمك أيضا : ألم…جارة القمر (azwaaq.com)
وتمنحه هذه الأجواء أيضا قدرا كافيا من التدريب الممتد لمدة شهر كامل على التمسك بهذه الأخلاق وحمل النفس على الالتزام بها لتتشكل لديه عادات جديدة وتتشكل شخصيته على نحو جديد إيجابي ونافع في كل نواحي حياته الجسدية والروحية والاجتماعية.