بقلم مهندس زياد عبد التواب الرئيس السابق لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء
كلما اقبل علينا الشتاء واستمر في المسير نحو نهايته، كلما انتبهنا إلى باعة الفاكهة، يعرضون حبات الجوافة والبلح الأمهات بكثافة، وهو طقس سنوي يعود إلى الزمن السحيق … زمن الدراسة الجميل، ففي هذا الوقت كنا نحصل على إجازة صيفية تمتد لثلاثة أشهرأو تزيد.
ونستمر في اللعب واللهو والتنزه طيلة تلك الفترة وخاصة في أيام الأجازة الأخيرة؛ قبل مجيء الشتاء وبدء الدراسة من جديد، مما دفع والدتي يوماً ما إلى لقول بأنني”أنتقم من الإجازة” باللهو على مدار اليوم بمعدل أكبر بكثير من ذلك الذي بدأت به تلك الأجازة الطويلة!.
كنا على سباق مع الزمن للاستمتاع بتلك الأوقات، قبل عصرالتكنولوجيا المرعب؛ حيث كنا أقل اقتراباً والتصاقاً بالأجهزة، وأكثراقتراباً وتفاعلاً مع أقراننا من الأطفال، أو مع الحياة بصورة عامة، والطبيعة بصورة خاصة ولصيقة.
الذهاب إلى الحدائق والمتنزهات أوالاقتراب من شاطئ النيل، أوالبحرمع الكثيرمن اللهو، أو قراءة كتاب مسلي أومجلة لطيفة، الانتظاربجوارالتلفازلحين ميعاد إذاعة فيلم كوميدي أومسلسل لطيف، وأحيانا كثيراً كنا نقطع المسافة الزمنية إلى ميعاد الإذاعة بالنوم، لتمرالساعات كالثواني، ونقترب من اللحظة الحاسمة.
أونلتقي في الشارع لنلعب استغماية أوكرة القدم، ونهرع إلى أحد أكشاك بيع المرطبات؛ لنتناول ما لذ وطاب ثم نعاود اللعب واللهو، أونتجه إلى لعب الشطرنج، وبنك الحظ، ثم بدأت أقدامنا تنزلق نحوالتكنولوجيا، من خلال ألعاب الأتاري والفيديو جيم، ثم مشاهدة أفلام السينما والفيديوقبل أن نصل إلى سن الجامعة، ونترك كل ذلك، ونوجه تركيزنا نحو الدراسة والمستقبل.
الأجيال الحالية لاتعرف شيئاً من ذلك، حيث دفء الأسرة والتواصل معها في الزمن الجميل، فالكل منكفئ على هاتفه أوحاسبه الشخصي، أوأحد أجهزة ألعاب الفيديو، يلهو مع أشخاص حقيقيين يبعدون عنه آلاف الأميال، ولايعرف كيف يبدون، ولا ما هي أفكارهم وأخلاقهم، ولا أمل لديه في لقائهم يوماً ما، أوالاتجاه إلى لحديث لساعات وساعات، مع أحد برامج الذكاء الإصطناعي، للتسلية، أولأخذ النصيحة والمعلومة منه، تاركاً الأهل وخبراتهم جانباً، بل قد يكون الأهل أنفسهم مشغولون بتطبيقات مماثلة، ولا يجدون وقتا للحديث مع الصغار، ثم يحدث أن يصابوا بالدهشة أوالصدمة بعد ذلك بسنوات، حين يكتشفون أنهم لايعرفون أبناءهم حق المعرفة، ولاحتى نسبة ضئيلة مما كانوا يعتقدون أنهم يعرفونه.
والآن وبعدعقود طويلة من تركي لهذا الزمن الجميل، أكاد أجزم أن أطفال اليوم يشعرون بالهستيريا والقلق وربما بالبؤس رغم كل المغريات المحيطة بهم، والتكنولوجيا والألعاب الإلكترونية، ولا أستطيع أن أشرح لهم كم كان الزمن البسيط جميلاً ونقياً، ولا ماذا فعلت رائحة الجوافة في أرواحنا التي ما تزال نشعر بها كلما جاء الشتاء وإنصرف.
الكلمات المفتاحية
# رائحة الجوافة #الجوافة الفاكهة # الشتاء #التكنولوجيا #ألعاب إلكترونية #الذكاء الإصطناعي #زياد عبد التواب #دفء الأسرة #الزمن الجميل