بقلم : شحاته زكريا
في حياتنا اليومية يمر الكثيرون بمواقف تؤثر على حياتهم وتغيّر من مساراتهم. أحياناً يكون هذا التغيير نابعاً من فقدان أشخاص كانوا يمثلون جزءاً غالياً من حياتنا، سواء في العلاقات الشخصية أوالمهنية. لكن ماذا لو كان هذا الرحيل هو في الحقيقة بداية لمرحلة جديدة ، أكثر نضجاً وتوازناً؟ على الرغم من أن الفقدان قد يبدو مؤلما في البداية، إلا أنه يحمل في طياته فرصاً خفية للتغيير والنمو.
الرحيل كجزء من مسار الحياة
حياة الإنسان في مصر، مثل أي مكان آخر، مليئة بالتغيرات الدراماتيكية، نسمع قصصاً عديدة عن أشخاص غادروا حياتنا، سواء برغبتهم أو بفعل الظروف، وتركوا خلفهم أثراً قد يكون في البداية مؤلماً لكنه سرعان ما يتبدل إلى بوابة نحو مستقبل أفضل، الرحيل لا يعني دائما نهاية العالم، بل قد يكون بداية لحياة أكثر ثراء .
أمثلة واقعية من المجتمع المصري
في الواقع المصري نجد الكثير من الأمثلة التي توضح كيف أن الرحيل أوالفقدان قد يكون دافعا للتغيير الإيجابي. على سبيل المثال:
- 1. قصة أحمد زويل العالم المصري الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء، أحمد زويل بدأ رحلته العلمية بعدما رحل من مصر لاستكمال دراسته في الخارج. رغم أن الابتعاد عن الوطن كان تحديا كبيرا، إلا أن هذا الرحيل كان الباب الذي فتح له فرصا غير محدودة وأدى إلى اعتراف عالمي بإنجازاته. لو لم يغادر زويل مصر ربما لما كان قد حقق تلك المكانة العلمية.
. 2. قصة محمد صلاح: عندما غادر النجم المصري محمد صلاح نادي المقاولون العرب إلى أوروبا ، واجه تحديات وصعوبات كثيرة في بداية مسيرته. كانت محطاته الأولى في سويسرا وإنجلترا مليئة بالتحديات، لكنه لم يستسلم ورغم الرحيل عن وطنه، استطاع أن يصبح نجما عالميا ويحقق نجاحات باهرة جعلته رمزا للأمل والمثابرة.
3.الراحلين عن حياتنا المهنية: في الحياة المهنية في مصر كثيرا ما نسمع عن أشخاص إضطروا إلى مغادرة وظائفهم بسبب ظروف قاهرة سواء من بيئة العمل أوبسبب سياسات الشركة. أحد الأمثلة على ذلك هو الكثير من العاملين الذين فقدوا وظائفهم أثناء أزمة كورونا.
وعلى الرغم من الحزن الناتج عن فقدان العمل، إلا أن الكثير منهم استغلوا الفرصة لتطوير أنفسهم وتعلم مهارات جديدة، والتحول إلى ريادة الأعمال أو البحث عن فرص عمل أخرى كانت أفضل من سابقاتها.
الرحيل كفرصة للنمو
كل تجربة رحيل تحمل في طياتها فرصة جديدة للنمو، على سبيل المثال قد يختبر الكثيرون الرحيل عن مدينة أو مكان عزيز بحثا عن فرصة عمل أفضل. نرى هذا بشكل خاص في الهجرة من القرى والمدن الصغيرة إلى القاهرة أو الإسكندرية أو حتى خارج البلاد.
قد يهمك أيضاً :https://azwaaq.com/%d8%ad%d9%8a%d9%86-%d8%aa%d8%b6%d9%8a%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%87%d8%a8-%d8%a8%d9%8a%d8%af%d9%8a%d9%83/
الرحيل عن الأماكن المألوفة قد يكون مؤلما في البداية، لكنه يمنح الشخص فرصة لتطوير مهاراته ومواجهة تحديات جديدة. في مصر هناك العديد من الأمثلة على رجال الأعمال الناجحين الذين بدأوا حياتهم بعيدًا عن أسرهم وقراهم الصغيرة، وتحولوا إلى رموز للنجاح. هؤلاء الأفراد لم ينظروا إلى الرحيل على أنه فقدان، بل تعاملوا معه كفرصة لتحقيق أحلامهم.
أمثلة من الحياة العاطفية والاجتماعية للرحيل
حتى في العلاقات العاطفية والاجتماعية، قد يكون الرحيل بداية جديدة. كثيرا ما نسمع عن قصص أشخاص خذلتهم علاقاتهم ، سواء كانت صداقات أو علاقات عاطفية. في البداية، يشعر الشخص بأن الفقدان قد هدم جزءا كبيرا من حياته. لكن بعد فترة يبدأ الشخص في اكتشاف أنه كان عالقا في علاقة لا تخدمه وأن الرحيل فتح أمامه بابا للتعرف على أشخاص جدد أو إعادة اكتشاف نفسه.
القبول والرضا في مصر
تربينا على مفهوم “الرضا بالقضاء والقدر”، وهي حكمة شائعة تنبع من الثقافة المصرية والدين الإسلامي. يُعتبر تقبل فقدان شخص أو شيء جزءا من إيماننا بأن الله يخطط دائما لما هو خير لنا. على سبيل المثال عندما يفقد أحدهم شخصًا عزيزا، سواءً بوفاة أو بانفصال، فإنه قد يظن أن الحياة توقفت عند تلك اللحظة.
لكن بمرور الوقت، يكتشف الشخص أن الله قد عوضه بما هو أفضل، سواء بشخص آخر أو بفرصة جديدة في الحياة.تقول أحد الأمثال المصرية: “كل تأخيرة وفيها خيرة”، وهو ما يشير إلى أن كل شيء يحدث لسبب، وأن التأخير أو الفقدان قد يحمل في طياته خيرًا لا نراه في البداية.
الرحيل هو جزء من دورة الحياة الطبيعية، سواء كان ذلك في العلاقات أو الحياة المهنية، أو حتى الرحيل عن أماكن عزيزة. رغم أن الألم قد يكون حقيقيا في البداية، إلا أن التغيير يحمل في طياته الكثير من الفرص
كيف نتعامل مع رحيل الأشخاص من حياتنا؟
- الاعتراف بالمشاعر: في المجتمع المصري، نميل أحيانا إلى كتمان مشاعرنا وعدم التعبير عنها، خاصة عندما يتعلق الأمر بالفقدان. لكن من المهم أن نعترف بالحزن والغضب، لأن هذه المشاعر جزء طبيعي من العملية. 2
- . التفكير الإيجابي: علينا أن نعيد برمجة أنفسنا لرؤية الأمور من زاوية إيجابية. ربما يكون هذا الرحيل فرصة لفتح صفحة جديدة، أو للتركيز على أهداف شخصية كنا قد أهملناها. 3.
- الاعتماد على الدعم الاجتماعي:ا لعلاقات العائلية والاجتماعية تلعب دورا كبيرا في تجاوز الأزمات. الرحيل قد يكون أقل صعوبة عندما يكون لدينا أشخاص يدعموننا ويقفون بجانبنا. 4.
- البحث عن الحكمة في التجربة : مثلما نقول “العبرة بالنهاية”. كل موقف نمر به يحمل في طياته درسًا أو حكمة. علينا أن نسأل أنفسنا: ما الذي يمكنني تعلمه من هذا الفقدان؟ .
الخلاصة
الرحيل هو جزء من دورة الحياة الطبيعية، سواء كان ذلك في العلاقات أو الحياة المهنية، أو حتى الرحيل عن أماكن عزيزة. رغم أن الألم قد يكون حقيقيا في البداية، إلا أن التغيير يحمل في طياته الكثير من الفرص. علينا أن نؤمن بأن كل ما يحدث في حياتنا هو جزء من خطة إلهية أكبر وأن الله دائماً يعوضنا بما هو أفضل. الرحيل ليس النهاية بل هو بداية جديدة تتيح لنا إعادة تقييم حياتنا واكتشاف جوانب جديدة في أنفسنا وفي الآخرين.