في كل بيت مصري هناك قصة غير مكتوبة، حكاية صمت تدور بين الجدران، لكنها تُروى في لغة العيون في تنهيدة أم لم يعد أحد يسألها:”عاملة إيه؟”.
في أب يعود مرهقاً فلا يجد من يفتح له باب الحوار، يستمع إليه، يحاول أن يدفعه إلى الفضفضة.
وحكاية صمت كذلك تتلخص في إبن يجلس وسط عائلته، لكنه غارق في عالمه الافتراضي.
أو في زوجة تملأ يومها بالمهام، لكنها تفتقد كلمة دافئة تعيد إليها الحياة.
البيت المصري لم يعرف الصمت زمان
لم يكن البيت المصري يوماً صامتاً، لم يكن يلفه الصمت مثل اليوم، كان ضاجّا بالحكايات عامراً بالنقاشات.
وكان مليئاً بالمواقف العفوية التي تصنع الذكريات.
مثل محطة القطار !
لكنه اليوم بات يشبه محطات القطار، يلتقي فيه الركاب للحظات، كلٌ منهم منشغل بوجهته، ثم يغادر الجميع دون أن يتركوا أثرا في بعضهم.
الصمت الثقيل .. سيد الموقف
لم نعد نتكلم، لم نعد نضحك، ولم نعد حتى نتشاجر كما كنا من قبل، فقد أصبح الصمت سيد الموقف.
وللأسف إنه ليس ذلك الصمت المريح الذي يعبرعن الألفة، بل الصمت الثقيل الذي يخفي وراءه مسافة تتسع بين القلوب.
صور عديدة تسيطر على البيوت، الأب منشغلٌ بعمله، الأم غارقة في مسؤولياتها.
أما الأبناء فهم أسرى الشاشات وبينهم جميعاً مساحة فارغة، لا تُملأ بالرسائل النصية ولا بالمكالمات السريعة.
إقرأ أيضاً للكاتب : من وحي كتاب “إنجح من أجل نفسك”:ما هي أسرارالنجاح ؟
الصمت الزوجي
في الماضي كان البيت هو المكان الذي نعود إليه لنحكي، لنشكو، لنفرح، واليوم صار مجرد محطة استراحة بين رحلات الحياة المتسارعة.
الزواج أيضاً لم يسلم من هذا الصمت، تبدأ الحكاية بشغفٍ وحواراتٍ لا تنتهي، ثم يتسلل الروتين فيسرق الكلمات.
وتصبح المحادثات قصيرة، جافة، مقتضبة، يتحول السؤال عن الحال إلى إجراء شكلي، وتتحول الإجابة إلى “الحمد لله” فارغة من معناها.
إقرأ أيضاً للكاتب : 4عادات للأشخاص الأكثر فعالية … من وحي كتاب ستيفن كوفي
لماذا الصمت ؟
ليس لأن المشاعر اختفت، بل لأننا توقفنا عن التعبيرعنها، اعتدنا وجود الآخر لدرجة أننا نسينا أن نبذل جهداً للحفاظ عليه.
أما الأبناء فهم يعيشون في بيوتٍ يسمعون فيها الأوامر أكثر مما يسمعون كلمات الحب!.
يُحاسَبون على أخطائهم أكثر مما يُشجَّعون على إنجازاتهم.
يفتقدون تلك الجلسات التي كان الأب يحكي لهم فيها عن طفولته، والأم تسألهم عن تفاصيل يومهم.
وحين يغيب الحوار يبحثون عن الإهتمام خارج البيت؛ فيصدّقون أي اهتمام زائف، أو ينسحبون إلى عزلتهم، ليصبحوا بدورهم جزءًا من هذه الدائرة الصامتة.
هل فات أوان مواجهة الصمت؟
لكن السؤال هو: هل فات الأوان؟ بالطبع لا. كل ما نحتاجه هو أن نُعيد للبيت صوته.
أن نجعل الحكايات مكان الصمت، أن نعيد الدفء إلى الأحاديث اليومية، لا نريد لقاءات رسمية ولا محادثات طويلة، بل مجرد اهتمام حقيقي.
سؤال بسيط بصوتٍ صادق: “إيه أكتر حاجة ضايقتك النهاردة؟”، أو “إيه أكتر حاجة فرّحتك؟”.
نحتاج إلى أن نتوقف عن التعامل مع البيت وكأنه فندق، ومع الأسرة وكأنها التزام روتيني.
ونحتاج أن نتذكر أن العلاقات تحتاج إلى جهد لنحافظ عليها كما نحافظ على أي شيء ثمين.
إقرأ أيضاً للكاتب : مفارقات الحياة .. حين تصبح البساطة معقدة !
عودة الحوار للبيت المصري
إن أخطرما يمكن أن يحدث لبيت ليس الشجار، بل التجاهل، وليس ارتفاع الصوت، بل غياب الحوار.
وما يحتاجه البيت المصري اليوم، ليس مزيداً من التكنولوجيا، بل قليلا من الوقت، قليلًا من الإنصات.
نريد قليلًا من الحب الذي يُقال ويُسمع قبل أن يصبح الصمت بيننا هو القاعدة والكلام هو الاستثناء.