صوت أصيل يحكى عن بلدك وأهلك .. “حكاويه” عنهم صادقة جدا، تنبع من تجارب عاشها أو يصدقها.. كلام حقيقى .. يخرج من قلبه.. مستحيل تسمعه من شخص آخر! قريب للغاية منك.. “على طبيعته” مثلك .. يسمعك، يفهمك ويشعر بك .. ساعات يطبطب عليك وساعات يشتكي لك.. يكلمك أنت! يقصدك أنت!.
سأحكى حكايتى معه .. مع “محمد منير” … فى أحد أحياء مدينة بنها الجميلة، وُلدَت بنت التسعينات، كنت طفلة صغيرة فى بيت أستاذ الجامعة الفنان التشكيلي وزوجته الفنانة أيضاً، كانت شرائط الكينج القديمة والحديثة (فى وقتها) لا تسكت أبداً فى بيتنا، أمى وأبى كانوا خيرمربيين؛ فعلموننى المشى وعلمونى الكلام وعلمونى أسمع الكينج! كنت صغيرة لا أعلم أى شئ، إلا ما علمونى إياه، أبواى والكينج. لم يُقصْر هوأيضاً، بل كان خيرمربى! تعلمت منه الحب، والود ،وتعلمت منه كثيراً عن تاريخ بلادى وأحيائها ومدنها الساحرة !.. وأهم ما علمه لى معانى إنسانية أضافت لى كثيراً فى رحلة حياتي.
طفلة فى الثلاث سنوات وتقول (كأنى كلمة من عقل بيرم، كأنى غنوة من قلب سيد، كأنى جوة المظاهرة طالب هتف بأسمك، وراح معيد يا إسكندرية.. يا مصراوية)
..
و”أنا ابن كل اللى صانك .. رمسيس وأحمس ومينا .. كل اللى زرعوا فى وادينا حكمة تضلل علينا،
خلى الندى من أحلامِك يسقى النبات من أيامِك.. حطى اللى خالفك قدامك تلقى البلد عامرة الليلة”.
تذكرت حفلة قديمة له شاهدتها من قريب، سألته المذيعة هل أعلنت اعتزالك أم هذه مجرد إشاعات ؟ تخيلت نفسى لو كنت أسمعها وقتها .. من؟!! محمد منير يعتزل! ومتى؟! سنة 90! لاااااااا لا تقولها أرجوك! مع إننا فى سنة 2023 وأحسست بتوتر شديد من هذا الخبر! كما لو إنى خائفة أن أسمعه يوماً! رغم الكنز الذى تركه لجيلى وأجيال من بعدى، إلا أن كنز منير لا ينتهى أبداً، فدائماً ما يفاجىء محبيه بأكثر مما يتوقعون!.
أما بالنسبة لرده فكان مرضيا ومطمئنا لجمهوره؛ حيث قال أن هذا اختفاء مؤقت! لماذا؟؛ ليصبح كما هو الآن! من الفنان الأصيل الذى يغنى لبلده وأهله للكينج العالمى محمد منيرالذى يعرفه العالم العربي كل المعرفة! ولم تنته القصة آنذاك؛ فدائما ما نرى فى مشواره المزيد والمزيد من الإبهار!. إنه الكينج محمد منير الذى نجح فى الوصول لأجيال حياتهم مختلفة، وعالمهم مختلف وبالتالى ذوقهم فى الموسيقى مختلف.
و بالنسبة لى كواحدة من جمهوره من جهة، وكمصرية أعتز بمصريتى من جهة أخرى، فأنا أشكرك يا كينج على هذه الوقفة التى تعنى لى الكثير؛ فهى تسببت فى ظهور رمز عظيم جديد فى مصر بدأ ولن ينتهى أبداً! فسنظل نذكره على مرالسنين.
إليك يا كينج!
كم أجنبياً قابلته بكل حب ورحبت به فى بلادى:” قول للغريب حضنك، هنا دربك قريب من دربنا.. بيتك هنا ..أهلك هنا ..حزن البشر ده حزننا”.
علمتنى أحب! أحب حتى من كرهونى!؛ لأن الحب يجلب لصاحبه الحب.. علمتنى حب الحياة..علمتنى أحتضن دون تلوث، دون أن أفهم معنى الطبقية والعنصرية، لم أكن على دراية بهم حتى كبرت…. علمتنى الأمل.. علمتنى الطموح .. علمتنى أفرح ..علمتنى أحزن .. علمتنى أكون نفسى! .
بالإضافة إلى صوتك الساحر الذى ينقلنى إلى عالم آخر كنت محظوظة للغاية أن أدخل كلية التربية الموسيقية بالزمالك، وأتعلم الفن الحقيقى على يد أساتذة كبار، وأستطيع فهمك بشكل أعمق
إنني عاجزة أمام هذا الصوت الرائع والإحساس الفريد ، ولا أعلم إلى أين أنتهى ومن أين أبدأ.. بالتأكيد لا يكفى أن أتكلم فى مقال فربما أحتاج لكل أغنية رواية!.
منير الأصيل يعنى بلده النوبة الجميلة ، كثرة اللآلات الإيقاعية فى أغانيه ملحوظاً جداً.. وتنوع الإيقاعات ودخولها بشكل فريد من نوعه يعطى الأغنية الطابع المنيرى الذى يجعلك تعرف من بدايتها أسم المغنى قبل أن تسمع صوته..
كلمات مميزة ، لحن مميز وأكثر ما يميزه الصوت الساحر الذى يستطيع أن يؤدىالصوت الساحر الذى يستطيع أن يؤدى أى أغنية لأى فنان فى أى زمان ويأخذها إلى عالمه ،ولا يستطيع أحد أن يؤدى أغانيه لأنه يضيف للأغنية كثيراً بإحساسه فلا تستطيع أن تسمعها من غيره.
أنتهيت من كتابة مقالى ولم أنتهى أبداً من الكتابة عن الكينج، الفنان العظيم الذى آثرنى فى طفولتى.. سأظل أحكى عن من يُذكّرنى دائماً أن مصر عظيمة.