في كتاب «جدتي وأمي وأنا» يلتقي التاريخ بالسياسة والحكايات الإنسانية والاجتماعية الشيقة؛ فالكتاب الذي يضم بين دفتيه مذكرات الكاتبة الفلسطينية جين سعيد المقدسي، هو في واقع الأمر سردية شخصية تستكشف التاريخ عبر تجارب ثلاثة أجيال من النساء اللاتي شهدن أزمانا غير عادية و مربكة.
وتستطيع الآن أن تقرأ المذكرات باللغة العربية بعد أن أصدر المركز القومي للترجمة برئاسة الدكتورة كرمة سامي ترجمة لها هذا الأسبوع؛ ليتعرف القاريء على قصص مفعمة بالنوستالجيا لثلاثة أجيال من النساء العربيات.
والكتاب الذي قامت بترجمته هالة كمال يحمل خصوصية لكاتبته جين سعيد المقدسي، فقد سبق أن قالت عنه:” عنه ” كتاب ذات طبيعة مختلفة تماماً بالنسبة لي؛ كان ” شتات بيروت” ـ أحد أهم كتبهاـ قد صدر حديثاً، لإشادة إيجابية من النقاد، وكانت والدتي قد توفيت منذ فترة وجيزة، وكنت أشعر بفقدانها بشدة، و كنت قد فكرت منذ زمن بالكتابة عنها، وعن والدتها التي أحببت كثيراً والتي غالباً ما عاشت معنا؛ لذا بدأت مع ما ظننته سيكون سرد بسيط ونوستالجي ومحب عن حياتهما. لكن حين بدأت أكتب اكتشفت إلى أي مدى لا أعرف عنهما، عن أين تعلمتا، عن والديهما… الخ، ففهمت حينها بأن عليّ أن أقوم بالأبحاث”.
وتتابع المقدسي في حديثها عن الكتاب:”لكن لم يكن لدي علم بكمية البحث الذي سأقوم به. اضطريت ان ابتدع نظام بحث خاص فيّ لأنه لم يكن هناك أثرعن حيوات النساء في التاريخ المعروف، والذي ذهبت إليه بكثير من التوقّع. لذا؛ على الرغم من أن قراءاتي في التاريخ كانت مفيدة للغاية في إعادة تركيب الماضي السياسي والتاريخي، لكنها لم تفدني في محاولتي لفهم حياة أمي وجدتي، فعملت لسنتين في اقتفاء أثر تاريخ العائلة، والتي عادة ما هو مبني على الحكايات والإشاعات، وشجرة العائلة (التي دائماً تستغني عن النساء رغم لا منطق هذا الحذف) ووجدت رسائل قديمة، أي بشكل عام التنقيب عن ماضٍ ضائع. يكفي القول أن كتابة هذا الكتاب كان مدروساً أكثر من الكتاب الذي سبقه”.
إلى هذا يتطرق الكتاب إلى حقبة زمنية طويلة تمتد من نهايات القرن التاسع عشر وحتى زماننا هذا، مرورا بمدن عربية في القلب منها حمص والناصرة وبيوت القاهرة.
وجاء على غلاف الكتاب أن الجدة والأم وأنا :” عايشن أحداثا تاريخية جسيمة خلال الحكم العثماني وانهياره في بدايات القرن العشرين وضياع فلسطين في 1948 وحرب السويس في 1956 ثم الحرب الأهلية في لبنان في سبعينات القرن العشرين، وهكذا نتبع تاريخ ثلاثة أجيال من النساء هن الجدة منيرة موسى بدر التي ولدت في مدينة حمص وتنقلت بعدها في بيروت والقاهرة، وابنتها هيلدا موسى سعيد التي ولدت في مدينة الناصرة وعاشت في بيروت والقاهرة.
وتأتي المذكرات لتشغل موقعها عند تلاقي الدراسات الأدبية مع الدراسات التاريخية، ممثلة في تقاطع المذكرات مع سيرة الحياة والتاريخ الشفاهي، وتتماس أحيانا مع العلوم السياسية والاجتماعية في عرض الحدث السياسي من منظور اجتماعي ذاتي يقترب في من الإثنوجرفيا الذاتي.
يذكر أن جين سعيد المقدسي كاتبة فلسطينية ولدت في القدس، وهي شقيقة المفكر إدوارد سعيد، وتنقلت بين مصر والولايات المتحدة الاميركية قبل أن تستقر في بيروت عام 1972، و درست في الجامعة اللبنانية الأمريكية، أنشأت مقدسي مع عدد من الباحثات اللبنانيات تجمع “باحثات”.
يحمل الكتاب بين دفتيه مذكرات الكاتبة الفلسطينية جين سعيد المقدسي