في السنوات الأخيرة أصبح الطعام لا يُقدّم لمجرد إشباع الجوع، أوالتلذذ بالنكهات، بل تحوّل إلى ظاهرة اجتماعية قد نطلق عليها تقاليع الطعام!.
و تتجاوز هذه الظاهرة حدود المطبخ والمائدة، لتصل إلى عالم الموضة وأحدث الصيحات والتقاليع.
لم يعد الغرض من الطعام هو القيمة الغذائية فقط، بل أصبح شكل الطبق، إسمه الغريب، وطريقة تقديمه كلها عناصر رئيسية في تقييمه، حتى وإن كان طعمه عادياً أو سعره مبالغاً فيه، وهو ماأرغب اليوم مناقشته في أذواق .
تقاليع الطعام على مواقع التواصل الإجتماعي
إذا تصفحت مواقع التواصل الإجتماعي ستجد كل يوم ما يسمى بـ” تقاليع الطعام“ أو “تقاليع الأكلات”.
إنها تمثل أسماء غريبة مثل “برجر الفحم”، “آيس كريم الذهب، “لاتيه الفحم النباتي”، أو “قهوة المشروم”!.
أطعمة قد تثير دهشة السامع قبل أن تثير شهيته، ولاتتوقف هذه التقاليع عند الإبتكار في الشكل والمكونات،.
بل باتت التقاليع تتجاوز ذلك إلى أسعار فلكية لا تتناسب مع القيمة الغذائية الحقيقية لما يُقدّم.
ويمكن أن يدفع المرء في قطعة صغيرة من الحلوى المغطاة بورق الذهب مئات الجنيهات؛ لمجرد أنك جزء من هذه “الموضة”.
و أنصار هذه الظاهرة يرون أن الأمر طبيعي في عصر الإنفتاح والتجريب.
ويعتبر البعض أن صناعة الطعام تطورت من مجرد تحضير الوجبات إلى خلق تجربة متكاملة تجمع بين الطعم والشكل والمفاجأة.
فالتجربة الحسية لدى البعض أصبحت تشمل الصورة التي سينشرها على حسابه في وسائل التواصل الاجتماعي أكثر مما تشمل المذاق نفسه.
بمعنى آخر، أصبح بعض الناس يأكلون من أجل “التصوير”، لا من أجل الاستمتاع بالطعام ذاته.
عيوب تقاليع الطعام
في المقابل، يرى كثيرون أن ظاهرة تقاليع الطعام تحمل عيوباً خطيرة، أهمها المبالغة في رفع الأسعار بلا مبرر منطقي.
وكأن الإسم الغريب أو الشكل الفريد للأطباق مبرر كافٍ لاستنزاف جيب الزبون.
كما أن التركيز على “الشو” أو العرض الخارجي قد يسرق الأضواء من الأكل الحقيقي التقليدي الذي يحمل قيمة غذائية أعلى وجذورا ثقافية أعمق.
بل إن بعض هذه الأكلات تعتمد على مكونات لا تضيف شيئا صحّيا للجسم.
وربما تكون ضارة أحيانا لمجرد تحقيق عنصر الغرابة أو لفت الانتباه.
إقرأ أيضاً للكاتب : عندما يتشبه الإنسان بالكلب.. دفاعاً عن الكلب!
تقاليع الطعام والقيم الإستهلاكية
الأخطر من ذلك أن تقاليع الطعام أو إتجاهات الطعام تعزز قيما استهلاكية غير صحية؛ حيث يصبح التفاخر بتجربة أغلى أو أغرب طبق نوعا من “المكانة الاجتماعية”.
وهو ما يغذي مفهوم الإستعراض الطبقي بدلاً من تعزيز الوعي الغذائي.
لكن هل الحل أن نقف تماما ضد هذه الظاهرة؟ ربما يكون التفكير بتلك الطريقة تبسيطًا مخلًا للمسألة.
فكما أن الإبتكار في الطعام قدّم لنا طرقًا صحية وجديدة للطهي، لا يمكن أن نُنكر أن هذه الصرعات أحيانا تضيف لمسة من المتعة والتجربة الشخصية المختلفة، شريطة ألا يتحول الأمر إلى هوس أو استغلال.
التوازن
الحل الأمثل في نظري هو التوازن، ليس خطأ أن يجرب الإنسان طعاما جديدا، أو يتذوق أكلة غريبة من باب الفضول، أو أن يتبع المرء إحدى تقاليع الطعام.
ولكن الخطأ أن يركض الإنسان وراء كل موضة فقط لمجاراة الآخرين.
يجب أن يكون لدينا وعي استهلاكي غذائي يجعلنا نفرّق بين التجربة وبين الوقوع في فخ المبالغة.
دور وسائل الإعلام
كما أن دور وسائل الإعلام مهم جداً في تسليط الضوء على القيمة الحقيقية للطعام بعيداً عن البريق المصطنع.
في النهاية، القضية ليست في شكل الطعام أو اسمه أو حتى سعره.
بل القضية فيما يضيفه الطعام لنا كقيمة غذائية وتجربة حقيقية تترك لدينا إنطباعا ممتعا، وليس مجرد صورة على شاشة هاتف تُنسى في اليوم التالي.