منذ عدة أيام لا أدري لماذا تذكرت رواية “الفضيلة” التي صدرت ترجمتها العربية بواسطة مصطفى لطفي المنفلوطي عام 1923.
وهي عن رواية “بول وفيرجيني” للفرنسي جاك هنري برناردين دي سان بيير.
والتي تتحدث عن هيلين ومرغريت اللتان تقومان بتربيةِ ولدَيهِمَا فرجيني وبول واللذان تنشأ بينهما قصة حب كبيرة.
ولكن سرعان ما تموت فيرجينى بعد صراع بين الفضيلة والموت، حيث فضلت أن يبتلعها البحر على أن تتعرى أمام منقذيها من الغرق.
ثم ما يلبث حبيبها بول أن يموت حزناً عليها، ثم بعد شهر تموت والدتها هيلين، وبعد ثلاثة أشهر تموت مرجريت والدة بول، في إشارة أو رمز لرحيل العائلتين و معهما الفضيلة.
إقرأ أيضاً للكاتب : عفواً… في المعرفة “مالكش حجة”!
مسرحية “أهل الكهف “
خلال الأيام الماضية أيضاً حالفني الحظ لمشاهدة فيلم “أهل الكهف” عن مسرحية للكاتب الكبير توفيق الحكيم. وهي مسرحية نشرت لأول مرة عام ، 1933 والمعالجة تتحدث عن المعاناة ما قبل اللجوء إلى الكهف هرباً من بطش الوثنيين.
ثم المعجزة بالبقاء في الكهف أكثر من ثلاثة قرون، ثم يأتي الجزء الأخير في المعاناة بعد الخروج من الكهف بالرغم من تغير الأحوال ولجوئهم مرة أخرى إلى الكهف.
وتأتى جملة على لسان مشلينيا-أحد ارجال الكهف- متسائلاً ” أهذا هو كل ما نرتجيه بعد الموت؟، أهذا كل تلك الحياة الأخرى؟”.
أو تلك العبارة العبقرية التي أتت في نهاية الفيلم على لسان بولا بعد أن طعنه دريس بالخنجر”إرجع الكهف…دول مش مؤمنين…دول منافقين… أسوأ من الكفرة”.
الفضيلة والمجون
أعادت تلك الأعمال إلى ذهني أيضاً أفلام مثل “سفير جهنم” ليوسف وهبي، و”محامي الشيطان” بطولة ال باتشينو و”المرأة التي غلبت الشيطان” لعادل ادهم و غيرها من الأعمال التي تتحدث عن الصراع الأزلي بين الخير والشر و بين الفضيلة والمجون.
تذكرت أيضا المثل الشعبي “اللى اختشوا ماتوا” و الذى يتشابه إلى حد كبير مع ما حدث لفيرجينى في رواية الفضيلة.
إقرأ أيضاً للكاتب: كل هذه الكتب !
البعض يتخذ الفضيلة رداء ً
لماذا تذكرت كل هذا ـ ربما لما نراه في حياتنا من أشخاص، ومن أحداث على كافة المستويات.
فنجد أن الظاهر يخالف الباطن، وأن الفضيلة يعتبرها البعض مجرد رداء يخفي تحته القبح والمجون.
والجديد أن البعض يقوم بخلع هذا الرداء، وإسقاط ورقة التوت، ويحاول أن يتباهى بمساوئه.
بل يحاول أن يقنع الآخرين بأنها قمة الفضيلة، ويحاول أن يلبس الحق بالباطل.
هذه التصرفات في غاية الخطورة؛ فهي تصيب البعض باليأس، وتجعلهم يرون الحياة من خلال نظارة سوداء معتمة لا أمل فيها.
وهي تجعل البعض الآخر من ضعاف النفوس يستمرؤون الأمر، و ينجرفون نحو الرذيلة على اعتبار شيوعها.
فيسيئون كما يسيئ الناس دون أدنى إحساس بالخجل أو الذنب، و في نفس الوقت تجعل الفرقة الناجية تعرف قيمة الفضيلة وطبيعة الحياة.
وتخرج الفرقة الناجية من تلك التجارب أكثر تماسكاً، و أكثر إيماناً و أقل إكتراثاً بهذا العبث.