” إن اللباس العربى في فترات الازدهار الإسلامية يأخذ من الأهمية الحضارية ما للتاريخ فى حد ذاته من أهمية، باعتباره جانباً من جوانب الحضارة العربية الإسلامية” هكذا بدأت الدكتورة هبة أحمد يس أستاذ تاريخ الأزياء جامعة حلوان حديثها مع “أذواق” حول كتابها” تاريخ الأزيــــاء فى العصور الإسلامية وأثرها في الأزياء في أوروبا في عصورها الوسطى” الصادرحديثاً عن “دار القدس للنشر والتوزيع”.
وأضافت قائلة:”عندما فكرت في إعداد هذا الكتاب لم يكن لنقصا في الكتب المؤلفة في تاريخ الأزياء فى العصور الإسلامية، إلا أن كتاباً واحداً لم يشمل الفترة الكبيرة التي شملها الكتاب حيث يتناول تاريخ الأزياء في العصور الإسلامية تناولاً مفصلاً وموسعاً منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العثمانى، والتي كان الغرض من اتساعها تحقق للقارىء التواصل بين العصور لتتبع هذا الملبس، أو ذاك ظهورا، أو اختفاء، أو تطورا، مشيرا إلى أصولها وجذورها”.
قد يهمك أيضا : كتاب الأسبوع : ” تاريخ الأزياء في حقبة أسرة محمد علي باشا.. (1805ـ 1952م)” (azwaaq.com)
وتوضح الدكتورة هبة أحمد يس :”رجعت في ذلك إلى 49 مصدرا، و27 معجما وموسوعة، و 180من المراجع والترجمات بمجموع 256 مصدرا ومرجعا و20 رابطا على الإنترنت ومتضمنا الكتاب تحليلات ورؤى للكاتبة أحيانا، ومن ثم عرض تطور أهم تلك الأزياء في جدول يوضح تطورها بشكل ملموس وواضح”.
.png)
قميص من الكتان – القرن التاسع، بداية القرن العاشر الميلاديين (العصر الطولونى) – وجد بالفيوم (سعد الخادم – 1959- شكل 86 (مصدر الصورة المؤلفة)
وتشير إلى :”يتضمن هذا العرض منحى جديدا فى تسليط الضوء الذى لمسته في مبلغ الأثر الذى كان للأزياء المشرقية في العالم الإسلامي في العصور الوسطى في أزياء أوربا (الغرب) الذى كان يعيش عصور الظلمة كما أطلق عليها، وكما وصف حالها مؤرخوها ذاتهم، فكيف لحضارة أنارت العالم بتعاليمها ومسلكها في كافة مناحى الحياة من اقتصاد وفنون صغرى في كافة المجالات كالعمارة وزخرفتها البديعة مثلا التي ما زالت قائمة تشهد على تقدم غير مسبوق في ذلك، و كيف لحضارة انتشرت في ربوع أوروبا ثماني قرون وظل أثرها بعد ذلك كيف لا يكون لها ذلك الأثر هذا بالدليل العقلى مستحيل”.
وتتابع:” و لذلك انطلقت أبحث عن دلائل ذلك في الأزياء من خلال معابر الحضارة الإسلامية والمخطوطات والآثار التي ترتبت على الحملات الصليبية، وكتابات الرحالة فى العَصْرُ الذَّهَبِيّ لِلإِسْلام، وهى المرحلة التاريخية التي كانت الحضارة الإسلامية فيها متقدمة علمياً وثقافياً، وتمتد من منتصف القرن الثامن إلى القرن الرابع عشر، والخامس عشر، وبعض المؤرخين والعلماء يمده إلى السادس عشر الميلادي. رغم تسلط الغرب واخفائه الحقائق نحو تأثير الحضارة الإسلامية في أوروبا في عصورها المظلمة تلك”.
وتضيف الدكتورة هبة أحمد يس :”والأمر راجعا إلى فكرتى وفكرى وبحثى فيما توصلت إليه من تحليل لبيان هذا الأثر. وأملى أن يكون الكتاب في محتواه إضافة ملموسة وعلما ينتفع به في مجال دراسة الأزياء في التاريخ الإسلامي تلك الأزياء التي شكلت جانبا من جوانب الحضارة الإنسانية وتبيان هذا الأثر”.
وتعكس الأزياء في حقب التاريخ المختلفة وخاصة في التاريخ الإسلامي التأثير السياسى فيها المتمثل في طبيعة الحكم والحكام وميولهم، كما تعكس تأثير دخول عناصر أجنبية فى تصنيف طبقات المجتمعات العربية وخاصة تلك العناصر التي تقلدت مناصب في الحكم أيضا كالفرس والترك وفق يس.
وفي عصور الحضارة الإسلامية، عندما تدفقت الغنائم والأموال على خزانة الدولة الإسلامية من البلدان التي فتحوها شرقا وغربا كان له بريقا جعل اهتمام الخلفاء المسلمين بعد العصر النبوى، وعصر الخلفاء الراشدين، ينشدون الملك والحياة الفارهة بكل مظاهرها، وأول تلك المظاهر الأزياء لاقت اهتماماً بالغاً منهم فاتخذوا سرير الملك، ومواكب للخروج، وأصبحت متطلبات الملك لا تكتمل إلا بالأزياء الفاخرة المترفة كمعيشتهم الجديدة، فعملوا على الاهتمام بها وبكل ملحقاتها من نسيج، وتطريز، وزخرفة أيما اهتمام. بل وأبدعوا فيها كل جديد، ومبتكر حتى وصلوا إلى درجة غير مسبوقة في مجال النسيج، والأزياء، و(الموضة)، خاصة في العصور الوسطى الإسلامية عصر العباسيين والفاطميين ثم العصر المملوكى، وسار على نهجهم وتفنن في هذا المجال العثمانيين من بعدهم.
.png)
شخص يجلس القرفصاء – مصر – العصر الفاطمى – ق (11م) – متحف الفن الإسلامي بالقاهرة ( مصدر الصورة المؤلفة)
وتلفت :”وبرزت مراكز لتلك الصناعة في كل الدول التابعة للمسلمين، وأنشأوا المصانع التي سميت بدور الطراز. وتنوعت تبعا لتنوع الحضارة، وتعقد المجتمع وتقدم الفنون وخاصة فنون النسج وصناعة الملابس، وأقبل الخلفاء والسلاطين ووزرائهم وحاشيتهم والأعيان على المنسوجات والثياب يسرفون في اقتنائها، ويحملون النساج على التسابق في إجادة نسجها، وابتداع أشكال جديدة من الأزياء”.
وتوضح:”كما وأنه من الرسوم على الخزف (السلجوقى) في القرين 12 – 13م في عصور الإسلام الوسطى أواخر الفاطمى، ثم الأيوبى خاصة والمملوكى التي سادت موضاتها – مما لا شك فيه – في كل أنحاء البلدان التي جاء منها الأيوبيون، وحكم فيها السلاجقة في ظل الخلافة العباسية التي هي نفسها التي حكم المماليك أيضا تحت خلافتها؛ فلتداخل العلاقة بين الدولة السلجوقية فارسية الطابع سنية المذهب مع الدولة العباسية (عراقية) المنشأ التي حكمت تحت خلافتها في طور منها، والدولة العباسية التي حكمها (البويهيين) الفرس في طور منها أيضا، فكلاهما (إيران والعراق) مراكز ذات باع طويل في حذق وشهرة قديمة في صناعة المنسوجات والأزياء الفاخرة والموضات اندمجت وتأثر بعصها ببعض في فترات؛ لذلك فمما لا شك فيه أن الأزياء السلجوقية تدلنا بعمق وقوة على الأزياء في الفترة (العباسية/ الأيوبية/ المملوكية)، فثلاثتهم حكم تحت مظلة الدولة العباسية، بل، ويمكن القول الفاطمية أيضا في الجزء الشرقى الأوسطى والأدنى من العالم الإسلامي، قد تأثر بالأزياء السلجوقية”.
قد يهمك أيضا : اختتام فعاليات مهرجان الثقافة والرياضة وكوسيلة للتنمية (azwaaq.com)
ويكشف كتاب “تاريخ الأزيــــاء فى العصور الإسلامية وأثرها في الأزياء في أوروبا في عصورها الوسطى” كيف كان امتزاج الإيرانيين والعرب والترك في الدولة العباسية بما يمثله كل عنصر منهم من حضارة خاصة والذى نتج عن هذه الدول التي نشأت تحت مظلة الدولة العباسية، بل وقد كان المماليك يجلبون مما يجلبون من بلاد التركستان أصل السلاجقة وآسيا الصغرى حاملين تقاليد أزيائهم معهم، وهكذا يظهر التأثر بينها رغم تعدد الدول المنفصلة، والاختلافات البينية في تفاصيل تلك الأزياء بين الدول حسب مناخها وتقاليد مجتمعها، إلا أنها اختلافات ربما تكون غير ملموسة يغلب عليها طابع الوحدة الإسلامية الذى طال كل الفنون في العصور الإسلامية.
.png)
من مقامات الحريرى نرى العمائم ذات العذبة الطويلة والطراز مختلفة الألوان – الجبب ذات الطراز – السراويل البيضاء(مصدر الصورة المؤلفة)
وجاءت فصول الكتاب كالتالى: الفصل الأول الذي تناول الأزياء في عصر ما قبل الإسلام (العصر الجاهلى) كما تناول الفصل الثانى الأزياء في العصر الإسلامي الأول (عصر النبى والخلفاء الراشدين) ثم كان الفصل الثالث حول الأزياء في عصر الدولة الأموية تلاه الفصل الرابع الذي احتفلى بالأزياء في عصر الدولة العباسية، ثم الفصل الخامس حول الأزياء في عصر الدولة الفاطمية.
وأفردت الدكتورة هبة يس الفصل السادس لمعابر الحضارة الإسلامية والحملات الصليبية على المشرق الإسلامي فى العصور الوسطى وتأثير ذلك فى الأزياء الأوروبية، فضلاً عن تناول الأزياء في عصر الدولة الأيوبية – والسلجوقية، وكان الفصل السابع: الأزياء في عصر الدولة المملوكية ، وأخيرا الفصل الثامن: الأزياء في عصر الدولة العثمانية.
كما تضمن الكتاب مصطلحات وجدول أهم الثياب وتطورها، ونماذج للشكل البنائى لطرز من الأزياء التاريخية التي يشملها، ويقع الكتاب في 634 صفحة وشمل 476 لوحة و18 خريطة و 71 شكلاً.