في العصر الحديث حيث أصبح العالم رقمياً بإمتياز يبدو أن الأطفال يعيشون في بيئة مزدوجة التأثير، بين أسرة تزرع القيم وبين الشاشات التي تقدم محتوى قد يكون ضاراً أو مفيداً! .
شاشات الأجهزة الحديثة أم الأسرة هي من يقود تربية الأبناء؟!
إن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: من الذي يقود تربية أبنائنا؟.
هل لا تزال الأسرة هي المدرسة الأولى التي تزرع المبادئ والقيم في نفوسهم؟.
أم أن الشاشات قد فرضت نفسها كقوة مهيمنة تشكل ملامح شخصياتهم وتوجهاتهم؟.
لطالما كانت الأسرة هي الموجه الأول الذي يبني شخصية الطفل، ويغرس فيه القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية.
من اللحظة التي يفتح فيها الطفل عينيه على هذا العالم يكون الأهل هم المعلم الأول.
فيتلقى الطفل منهم لغة الحياة: كيف يتحدث كيف يعبر عن نفسه، كيف يتفاعل مع الآخرين.
في قلب الأسرة يتعلم الطفل كيفية فهم مشاعره، ومن ثم كيفية التفاعل مع من حوله.
إقرأ أيضاً للكاتب : موضوع عائلي 3 … متعة اللحظات البسيطة مع من نحب
الشاشات في حياة الأطفال
الأسرة هي البيئة الأولى التي تعلمه التفرقة بين الصواب والخطأ، ولكن مع تطور الزمن وإزدياد هيمنة التكنولوجيا دخلت الشاشات إلى حياة الأطفال بشكل متسارع.
أصبح الهاتف المحمول والتلفاز والإنترنت جزءا أساسيا من يومهم، مع كل هذه الأجهزة والتقنيات الحديثة دخل الطفل عالما رقميا كبيراً.
وتتنوع في هذا العالم مصادر المعرفة والمحتوى، و في هذا العالم أيضاً يتعرض الطفل لمجموعة من المعلومات.
التأثير على نموهم الإجتماعي والعاطفي
بعض هذه المعلومات قد يكون مفيداً، لكنه في الكثير من الأحيان قد يتعرض لمحتوى غير مناسب لا يتماشى مع القيم التي تعلمها في بيته.
في وقتنا الحالي تزداد مدة بقاء الأطفال أمام الشاشات بشكل يومي، مما قد يؤثر على نموهم الإجتماعي والعاطفي.
فالأطفال الذين يقضون ساعات طويلة أمام هذه الشاشات قد يفقدون فرصة تطوير مهارات التواصل الإجتماعي والتفاعل الوجهي مع أقرانهم وأسرهم.
في كثير من الأحيان تكون هذه العزلة التكنولوجية سببا في تعزيز مشاعر الوحدة أو حتى القلق لدى الأطفال.
حيث يعاني هؤلاء الأطفال من صعوبة في بناء علاقات قوية وصحية مع الآخرين.
التعرض المفرط للشاشات
من ناحية أخرى يؤثر الاستخدام المفرط للتكنولوجيا على الصحة الجسدية للأطفال.
فمشاكل النوم بسبب الإفراط في استخدام الشاشات ليلاً أومشاكل في الرؤية؛ نتيجة التحديق المستمر في الشاشات، أصبحت شائعة بشكل متزايد.
بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يؤثر الوقت الذي يقضيه الطفل أمام الشاشة في قدراته التركيزية؛ ما ينعكس على أدائه الدراسي.
فضلاً عن ضعف قدرته على المشاركة في الأنشطة العقلية الأخرى.
إقرأ أيضاً للكاتب :الطريق إلى التغيير .. كيف تصنع الحياة التي ترغب فيها؟
فوائد التكنولوجيا
لكن على الرغم من هذه التحديات لا يمكن تجاهل الفوائد التي يمكن أن تقدمها التكنولوجيا إذا ما تم استخدامها بشكل مناسب.
قد توفر الشاشات فرصا تعليمية قيمة مثل البرامج التفاعلية أو التطبيقات التي تساهم في تنمية مهارات الأطفال بشكل سريع وفعال.
لكن هذا يتطلب رقابة وتوجيها من الأسرة لضمان عدم تأثير هذه الأجهزة سلباً على الطفل.
إذن هل تصبح الشاشات هي الحاكم على تربية الطفل؟ وهل يمكن للأسرة أن تستمر في دورها كمرشد أول؟!.
التوازن بين الشاشات والأسرة
الإجابة على هذا السؤال تكمن في التوازن؛ فلا يمكن للأسرة أن تتخلى عن دورها في تربية الطفل.
بل يجب أن تتعاون الأسرة مع التكنولوجيا لاستخدامها كأداة تعليمية، وليس كبديل عن العلاقات الإنسانية الحقيقية.
وذلك من خلال فرض حدود معقولة لاستخدام الشاشات، وتوجيه الأطفال نحو المحتوى المفيد.
و يمكن للأسرة أن توازن بين الحفاظ على قيمها العائلية وبين الاستفادة من فوائد التكنولوجيا.
هذا التوازن يتطلب الوعي الكامل من الآباء بالأضرار التي قد تلحق بأطفالهم جراء الاستخدام المفرط للتكنولوجيا.
بالإضافة إلى ضرورة خلق بيئة أسرية تشجع على التفاعل الاجتماعي والنشاط البدني.
الخلاصة
في النهاية إذا كان الأهل يريدون أن يكونوا المؤثرالأول في حياة أبنائهم، فيجب عليهم أن يعوا جيداً أن هناك تحديا كبيراً في هذا العصر.
ذلك أن الأسرة يجب أن تكون هي المصدر الأول للتربية، ولكنها تجب أن تكون في الوقت ذاته على دراية بكيفية إدارة تأثير الشاشات.
إن تربية جيل قوي ومؤثر يتطلب تضافرجهود الأسرة، والمجتمع لمواكبة هذا العصر الرقمي، بينما تحافظ على الأسس الإنسانية التي لا غنى عنها.