بقلم مهندس زياد عبد التواب الرئيس السابق لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء
أكاد أجزم أنه لا توجد لغة على وجه الأرض تحتوى على هذا الكم من الكلمات والتعبيرات والمعاني والمقاصد مثلما هو الحال في اللغة العربية ولهجاتها المشتقة! ذلك بالرغم من أن أي قياس علمي رقمي لعدد الكلمات الموجودة بقاموس اللغات المختلفة لن ينصف اللغة العربية على الإطلاق.
ربما أيضاً يكون ذلك لاستخدام القواميس لأسلوب “المصدر”، وهو الذى يمكن أن يشتق منه عدداً كبيراً من الكلمات، ومن المعروف أن قضية الاشتقاق في اللغة العربية بها العديد من الخلافات، مثل تلك الموجودة بين البصريين والكوفيين ( البصرة و الكوفة) حول ما إذا كان أصل الاشتقاق من المصدر أم هو من الفعل.
وبغض النظرعن هذه المقدمة الثقيلة، فإن موضوع المقال ليس كذلك، أوعلى الأقل الجزء المتبقي منه!؛ فبعض التعبيرات التي استمعنا لها في فترة الطفولة لا تزال عالقة في الأذهان مع الكثير من الدهشة والتساؤلات التي دارت في أذهاننا ولم نصرح بها، أو لم نحصل على إجابة في حالة انتقال التساؤل من الأذهان إلى الألسنة، ستدور في ذهنك تساؤلات كثيرة إذا شاهدت مسلسل “عمر أفندي” الذي نتقل بنا إلى الأربعينات من القرن الماضي عبر أحداثه.
قد يهمك أيضا : سيدي الذوق ! (azwaaq.com)
تفسير “عمي الدبب” وغيرها
وربما ما أعاد إلى الأذهان هذه القضية هو عرض مسلسل “عمر أفندي” في الوقت الراهن، والذي استعاد من الذاكرة المصرية الكثير من الألفاظ والجمل القديمة، والتي جذبت الجمهور من كل الأعمار.
على سبيل المثال شاهدنا كثيرا في الحياة وفي الدراما أيضا مشاهد متكررة منها أن تجد رجلا كبيرا يشعر بالامتعاض أوالإشمئزاز من وصفه بواسطة أحد الصغار بالنداء “يا عمى” فما يكون من ذلك الكبير الا ان يقول “عمى الدبب” وهو ما جعلنا نتساءل ما هي خصوصية إصابة الدببة بالعمى؟! وما هو اختلافه عن العمى الذي قد يصيب أي حيوان آخرأوحتى الإنسان؟!.
و لكن قد يكون التفسير أنه بالرغم من أن كل الدببة، وأغلب الحيوانات تولد عمياء، ثم تصبح مبصرة إلا أن بعض أنواع الدببة -الدب القطبي- يكون ضعيف البصر، و أن الدببة تعتمد أكثر على حاسة الشم؛ مما يجعل الرائي يشعر بأنها لا ترى.
اما عند الحوار بين شخصين، ويرفض أحدهما فعل أمر أو شيء معين قائلا ً”مش عامل” أو يصرح بأن الأمر لن يستقيم قائلا “مش هينفع” فيكون الرد ” جاك مشش في ركبك”!، وهو مرض يصيب الخيول نتيجة قلة الحركة، وقد يكون أصل الكلمة كذلك “هشش في ركبك”؛ أي أن تكون الركب هشة؛ نتيجة مرض بها أوعلة.
وقد نجد أيضا من طرائف اللغة وتعبيراتها التي لاتنتهي أن يقوم الابن بطلب شيء من أبيه مناديا إياه “يا بابا” فيكون الرد بغضب ” جاك بو”، و”البو” هو ولد الناقة، وربما لا تكون الكلمة إلا مجرد رد يحمل حروف قريبة من النداء الأصلي.
من الردود الشهيرة أيضاً ان يقال “خلصت روحك من لوحك”، وذلك رداً على كلمة “خلاص” أو”نعمة لما ترفصك” ، والمقصود النعامة، وذلك ردا على كلمة “نعم”.
قد يهمك أيضا : الأذواق وأغلفة الكتب … “الجواب بيبان من عنوانه” ! (azwaaq.com)
مسلسل”عمر أفندي”
وفى جميع الأحوال فإ ن تلك التعبيرات مع ما تحمله من غرابة وعدوانية أحيانا إلا إنها في واقع الأمرلا تخلو من السخرية و الفكاهة والضحك أيضاً، ولكن للأسف فإن تلك التعبيرات أراها آخذة في النقصان؛ فلا أعتقد أن الأجيال الجديدة حريصة على ترديدها واستخدامها مثلما كان هو الحال في زمننا الماضي الجميل، ولعل مسلسل ” عمر أفندي” الرئيسية إلى الأربعينات من القرن الماضي، قد نجح أن يأخذنا إليها مرة أخرى، وللحديث بقية عن جمل وألفاظ “عمر أفندي” وأيامه وحلقاته، التي ستأتي الحلقة الأخيرة منه غدا الخميس، والمزيد عن لغتنا العربية الجميلة، وروائع العامية المصرية خصوصاً.