بقلم مهندس زياد عبد التواب الرئيس السابق لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء
صباح الجمعة أقود السيارة على طريق سفر طويل في يوم مشمس، مغلقاً النوافذ للإحتماء من لسعة برد خفيفة أستمع إلى محطة الأغاني، حيث يأتى صوت الرائع محمد العزبي، يملأ فارغ السيارة والروح وصولاً إلى الجملة العبقرية “والكلمة ليه ماتقالتشى بالهداوة”، والكلمة نفسها ” أتت في أغانِ كثيرة لمطربين عظماء، منهم أم كلثوم، شادية، وأيضاً كاظم الساهر ونانسي عجرم.
و”الهداوة” أو الهدوء هما أسلوب الحوار الراقي بغض النظرعن أهمية أوخطورة المحتوى، فلا الإنفعال مفيد ولا يضيف أي إضافة إيجابية على الإطلاق، بل على العكس في أغلب الأحوال يتسبب في مشكلات كبيرة، قد يصعب حلها، أو يترك رواسباً نفسية من المستحيل محوها .
بعض خطباء المساجد إتخذوا الإنفعال سبيلا ً، ولم يصل لا بهم و لا بالمصلين الى أي شيء، إن أسلوب الخطاب الديني وأسلوب الإلقاء هامين جداً للمصداقية و توصيل الأفكار والإقناع أيضاً.
الله سبحانه و تعالى أمر سيدنا موسي و أخيه سيدنا هارون بأن يكون كلامهما مع فرعون كلاماً ليناً” فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى “(طه 44).
إقرأ أيضا للكاتب :مدينة الفلاتر !
“الهداوة” ليست في الصوت المنخفض فقط، ولكن في معدل إلقاء الكلمات ولغة الجسد، وبالطبع في إنتقاء الكلمات المناسبة، وإنتقاء العدد المناسب من الكلمات للتعبيرعن الفكرة، إن الكلام المقتضب بإستخدام عدد قليل من الكلمات في العلاقات الإنسانية والحديث مع الآخر، قد يعطى إيحاء بالنفور أو الإضطراب، أما الإسهاب و إستخدام الكثير من الكلمات سيصل بالمتلقي إلى أن يضل طريق الفهم للفكرة الأصلية، ويتجه سريعاً إلى طريق الملل، ومن ثم سيحدث التشتت الذى نراه حولنا كثيراً من خلال هروب المستمع إلى جهازه المحمول تاركاً المتحدث يسبح في بحور كلماته الكثيرة المنطلقة بتدافع صاروخي.
إقرأ أيضاً: الزير مش سالم !
لا نحتاج إلى أن نضيف ملاحظة أن صاحب الصوت العالي في الغالب هو صاحب المنطق الأضعف والحجة الواهية، ولكنه يستخدم الصوت العالي تطبيقاً للمثل الشعبي “خدوهم بالصوت”.
الهدوء ليس فقط في القول، و لكن في أسلوب الكتابة أيضاً، إن تعبير الصراخ الإلكتروني يطلق على الكتابة بحروف كبيرة Capital Letters لكل الكلمات، ذلك في اللغة الإنجليزية، الآن إعطاء الكلمات ألوان معينة مثل اللون الأحمر تعطى نفس الإنطباع، والذى يختلف تماماً عن إستخدام اللون الأخضر؛ فعلى سبيل المثال نجد أنه في تعليقات المدير على ما يعرض عليه من خطابات وتقارير يكون لإستخدام القلم الأحمر نفس الإنطباع المزعج والذى يتم تخفيفه كثيراً اذا استخدم القلم الأخضر في التعليق، نفس التعليق.
وأخيرا فإن ما نراه اليوم من “صخب” في كل مكان لن يصل بنا إلا إلى المزيد من التوتر الذي يعنى عمل أقل وكفاءة أقل وإنجاز أقل وعصبية أكثر وتوتر أكبر وإحتقان أعظم، دعونا نجرب “الهداوة” و نتخلى عن هذا الصخب غير المفيد، ولنترقب النتائج المبهرة المتوقعة إن شاء الله.
الكلمات المفتاحية
#الهداوة،#معنى بالهداوة،#أغنية بالهداوة،#شادية بالهداوة،#كاظم الساهربالهداوة،#محمد العزبي،#الهدوء،#الهدوء النفسي،#الهدوء والصمت،#الإنفعال،#زياد عبد التواب،مقالات