بقلم مهندس زياد عبد التواب الرئيس السابق لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء
فى شهرمايوعام 2018 صدركتاب بعنوان”عشرة جدليات لمسح حسابات التواصل الاجتماعى الخاصة بك فوراً”الكتاب بقلم جارون لانيير، وهوخبير تقنى وأستاذ جامعى وعازف موسيقى وخبيرفي الذكاء الإصطناعي، ويعتبر”أبوأنظمة الواقع الافتراضى” Virtual reality .
عمل فى العديد من شركات التقنية العالمية الشهيرة، وله العديد من اللقاءات التليفزيونية، ويتميز بحضورمتميزفى الكثير من المؤتمرات، التي تحدث فيها عن خطورة شبكات التواصل الاجتماعى، وضرورة محو كل الحسابات فوراً، وذلك من أجل حياة أفضل للبشرية كلها!.
قد يهمك أيضا : الأذواق وأغلفة الكتب … “الجواب بيبان من عنوانه” ! (azwaaq.com)
وبالطبع هومؤمن بأن هذا شبه مستحيل، ولكنه يحتاج إلى وقت وجهد وعزيمة واقتناع وبداية حملات منظمة لذلك، تماما مثل حملات الإقلاع عن التدخين وإدمان الخمور وخلافه! .
المؤلف لايجبرأحدا على أن يقوم بذلك، ويردعلى من يسأله إن كان من الأفضل التقليل من الاستخدام بدلاً من الاستغراق التام فيها أوالابتعاد التام، فتكون إجاباته شديدة الليبرالية؛ حيث يترك للسائل حرية اختيار مايريد بناء على مايحس ومايشعر به، فيطلب من المستخدمين فقط أن ينتبهوا إلى الأضرارالناجمة، وإلى التغييرالذى تحدثه تلك الشبكات فى تصرفاتهم وإنفعالاتهم وأحاسيسهم وتفاعلاتهم مع الآخرين.
كما يطلب أن ينتبهوا إلى التغييرات الأخلاقية والتغييرات العقائدية التى يمكن أن تحدث لمعتقداتهم السياسية والدينية جراء استخدام تلك الشبكات وإدمانها.
جدليات الكتاب
الكتاب يقع فى 160 صفحة باللغة الانجليزية، والآن دعونا نشير إلى الجدليات المطروحة باختصار:
الجدلية الأولى”أنت تخسرإرادتك الحرة”
هذا ببساطةلأن الاستمرارفى تلك الشبكات يؤثرعلى إرادتك ويوجهك؛لتتبنى أسلوبا معينا فى التفكير والتصرف، ويظهرهذا بصورة واضحة فى الجوانب المرتبطة بثقافة الاستهلاك، ومدى التأثربعروض السلع الاستهلاكية، والإحساس بمدى الحاجة لها، وهوإحساس يتسرب داخلك تدريجيا؛ حتى يسيطرعليك تماما وهو فى الأغلب إحساس زائف، غرضه ترويج المنتجات، والحصول على مالديك من أموال؛ فأنت كنت تعيش بدون تلك المنتجات، ولم يكن هناك احتياجا حقيقيا لاقتنائها، وللأسف هذا يحدث فى أمورأخرى كثيرة.
الجدلية الثانية”الخروج من تلك الشبكات هوالتصرف الأسلم”
نعم هي الأسلم؛ للبعد عن جنون العصر؛ حيث يفترض أن العصرالحالى هو”عصرالجنون”، ربما يمكن أن نرى اتساقا بين هذة الفكرة، وبين ما أتى به المفكرالمصرى الكبيرالدكتورمصطفى محمود فى كتابه المعنون “هل هوعصرالجنون؟”؛ حيث يشيرفى هذا الكتاب الصادرعام 1983 إلى أن العصرالحالى هو”عصرالجنون” … جنون الأفكار، جنون الشهوة، وجنون الاستهلاك والموضة والتواصل والتباهى وخلافه.
ويتحدث الكتاب عن التأثيرات السلبية لشبكات التواصل الاجتماعى، ودفعها للمستخدمين نحوهاوية الجنون وعدم العقلانية فى الأفكاروالمعتقدات وأساليب التواصل والموضوعات المطروحة للنقاش، وهوأمريستطيع المنضم حديثاً إلى تلك الشبكات من أن يشعربه، ويلمسه بسهولة.
تكمن الخطورة الحقيقية فى أنه بعدأسابيع قليلة من الإنغماس فى هذه الشبكات يتحول هذا القادم الجديد-المندهش-إلى عضو جديد فى هذه الشبكة التي تعج بالمجانين!.
الجدلية الثالثة”شبكات التواصل الاجتماعى تجعلك أكثرغباء“!
يتسق هذا مع الجدليتين السابقتين؛ فعدم قدرتك على التفكير بعقلانية وبحرية يساهمان فى جعلك أقل ذكاء وتساهم ايضاً فى زيادة نسبة التفاهة؛ فمن غير المعقول أن تستمرمحتفظا بقدراتك العقلية فى محيط من الأغبياء أو قليلى الذكاء.
و لنا فى مسرحية الكاتب الكبيرتوفيق الحكيم”نهر الجنون” المثل الواضح؛ فالمسرحية تتحدث عن مملكة أصيب كل أفرادها بالجنون؛ جراء شربهم من ماء النهر، ماعدا الملك والوزير الذان يستمران فى حوار فكرى طويل يبثان فيه معاناتهما من التعامل مع باقى أفراد المملكة، وتنتهى المسرحية بأن الحل الوحيد أمامهما هو أن يشربا من ماء النهرأيضاً، وهوما حدث بالفعل!.
الجدلية الرابعة”التواصل الاجتماعى يزيف الحقيقة”
نعم التواصل الاجتماعى يزيف الحقيقة، وأحياناً أخرى يخفف من وقعها وتأثيرها، كما يقوم بالمبالغة فى وقع و تأثيرأحداث أخرى أقل أهمية وخطورة، وهو ما نلاحظه يومياً، وخاصة عندما نلتقي بموقف فى الواقع ثم نراه على تلك الشبكات ونستعجب من أسلوب التناول والتضخيم والتهويل أوالتقليل والاستهانة، أما أن يكون الخبرمختلقا بالكامل؛ فتلك قضية أخرى تحدث كثيراً أيضاً.
الجدلية الخامسة”شبكات التواصل الاجتماعى تجعل ما تقوله بلا معنى”
وذلك سواء بتأثيرها على قدرتك على الحديث، وإدارة الحوار، أولأنك لا تتحدث بنفس أسلوبها، وذلك فى مرحلة المقاومة، وتلك المرحلة التى تسبق الاستسلام، وفى هذه المرحلة يكون ماتقوله هوما تراه أصلا على تلك الشبكات وتعيده مرة ومرات بصورمختلفة ومملة.
كما أنها تؤثرعلى قدرتك على التفاعل الطبيعى مع الآخرين، من حيث الإحساس بعدم الارتياح أوالإصابة بالضجرسريعا، أوعدم القدرة على انتقاء الألفاظ المناسبة لتوصيل فكرتك.
قد يهمك أيضا : سيدي الذوق ! (azwaaq.com)
الجدلية السادسة “تدمير قدرتنا على التعاطف الإنسانى”
لاحظ تفاعلنا مع أخبارالموت أوالأخبار السلبية التى نتعرض لها، وكيف نشعر بالآخرين اليوم، وكيف كنا نشعر ونتفاعل قبل ظهورتلك الشبكات، فتكرارالتعرض للمشاهد الدامية والصادمة يصيب الوجدان بنوع من الصدمة والجرح اللذين سرعان ما يتحولا إلى نوع من البلادة وقلة الشعور.
تماماً مثلما تجد الحانوتي يقوم بتغسيل ميت، وهويفكر فيما سيحصل عليه من أجر أوما سيتناوله من غذاء بعد أن يفرغ من مهمته، أو رؤيتك لحفارى القبور، وهم يحفرون قبورا جديدة، وهم يغنون إحدى الأغانى العاطفية أويلقون النكات الساخرة.
الجدلية السابعة “شبكات التواصل الاجتماعى تجعلك أكثر تعاسة”
فأنت تقوم أغلب الوقت فى مراقبة ما ينشره الأصدقاء لديك، فتجد أحدهم قد ابتاع سيارة جديدة، أوسافر إلى شاطئ أنيق أوعلى الأقل يبتسم ابتسامة عريضة، لا تستطيع أنت القيام بها هو ما يصيبك بالتعاسة والاكتئاب هو ما تشير إليه الدراسات بوضوح مقارنة بمن لايستخدم تلك المنصات على الإطلاق.
الجدلية الثامنة”هذه الشبكات تنزع القدرة على التفكيرالاقتصادى”
على هذه الشبكات ستجد انفتاحاً شديداً وإغراق استهلاكى، ربما تشعربأنك أقل من الجميع اقتصادياً، مثلما تفعل بك فى الجدلية السابقة حين تصيبك بالتعاسة، وتشعرك بأن الجميع أكثرمنك سعادة، وهذا يتسق أيضا مع الجدلية الأولى؛ فغياب الإرادة الحرة يدفعك إلى أن تتحول إلى كائن استهلاكى شره بغض النظرعن العواقب المترتبة على ذلك.
الجدلية التاسعة”شبكات التواصل الاجتماعى تجعل السياسة أمراً مستحيلا”
لانها منصات يمكن من خلالها ممارسة السياسة باساليب غيرمقبولة فى الحياة العادية، ومنها على سبيل المثال استخدام ألفاظ سوقية، وأكاذيب لايصدقها طفل على السوشيال ميديا، ولكن للاسف تجد لها صدى داخل تلك الشبكات؛ مما يجعل المستخدمين يعتقدون أنهم متابعون جيدون للشأن السياسى، و لكن فى حقيقة الأمر؛ فهم متابعون جيدون لشزرات سياسية متعددة تستنزف طاقتهم ولا تعبرعن الصورة الكلية التي يغفلون عن الإلمام بها، أوالإحساس بوجودها أصلاً.
قد يهمك أيضا : بمناسبة مسلسل “عمر أفندي”: عن “عمى الدبب” و”مشش الركب” و”البو” ! (azwaaq.com)
الجدلية العاشرة”شبكات التواصل الاجتماعى تكره روحك”
فأنت تخرج منها مكتئباً شاعراً بالبؤس، وبأن الآخرين أكثرسعادة وغنى وذكاء وجمال، وأنك الأخير فى كل شئ، وهو مايؤثربشدة على الحالة الروحية والنفسية، وذلك يتسق مع الجدلية السابعة؛ فالإحساس بالتعاسة هو إحدى مقدمات الإصابة بالإكتئاب.