هل نعيش في ذلك المجتمع يُحب القراءة أم يُجيد الإدّعاء؟ وهل نُجيد فهم أنفسنا فعلاً أم أننا نعيش في زحام من العبارات الجاهزة والإنطباعات السريعة؟.
كثيرا ما نُمسك بكتاب ثم نضعه جانباً لكن الأسوأ أن نُمسك بمجتمع كامل ولا نقرأه، لا نحاول فهمه بل نكتفي بتصنيفه أو الشكوى منه.
وهناك كتاب لم نقرأه لكنه أخطر من كل الكتب، إنه “نحن”، لقد أصبح واضحاً أننا نعيش حالة من الإنفصال بين الوعي الجمعي والواقع الإجتماعي.
كما نُطالب بالديمقراطية، ونرفض الإختلاف، نُردد قيم الحرية، بينما نمارس القمع الرمزي ضد كل من يخالفنا.
و نحلم بمجتمع راق، ومتحضر، لكننا نربي أبناءنا على الطاعة العمياء، والخوف من السؤال.
لكن هذا الإنفصام هو أخطر ما يُهدد حاضرنا الثقافي؛ وذلك لأنه يحولنا إلى نسخة ممسوخة من أنفسنا، لا تعرف ماذا تريد، ولا تعرف لماذا لا تصل.
إقرأ أيضاً للكاتب : الذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق : أم كلثوم أسطورة تتحدى الزمن
الجهل بالإسئلة في المجتمع
و المفارقة أن كثيراً من مشكلاتنا ليست نتيجة جهل بالحلول، بل نتيجة جهل بالإسئلة.
لكن لا نسأل: لماذا تغيرت أخلاقنا؟ لماذا صار العنف في الشارع والسخرية على الشاشات أمراً معتاداً؟ .
وكذلك لانسأل لماذا تراجع الفن الحقيقي، وإزدهرت التريندات؟ لماذا لم تعد الأسرة تربي، ولم تعد المدرسة تعلّم ولم تعد الجامعة تفكر؟.
و الإجابة هنا ليست في سياسات، أوخطط فقط، بل في وعي ثقافي ضائع في كتاب لم نقرأه، وفي مجتمع لم نحاول فهمه.
لكننا لسنا بحاجة إلى مزيد من الشعارات، بل إلى شجاعة النظر في المرآة، وما لم نُدرك أن الثقافة ليست رفاهية، بل ضرورة فلن نتقدم خطوة واحدة.
الثقافة
الثقافة ليست معرض كتاب في يناير بل كتاب مفتوح يومياً في طريقة تربيتنا.
والثقافة في حديثنا مع أبنائنا، وفي لغة الإعلام، و في شكل الفن، كما إنها في خطاب الدين، و في رد فعل الناس تجاه القبح أوالجمال، وتجاه الحق أوالزيف.
لقد تحوّل المثقف في أذهان كثيرين إلى شخص نخبوي، بعيد عن الواقع، مع أن المثقف الحقيقي هو من يقرأ الناس كما يقرأ الكتب.
إقرأ أيضا للكاتب : لماذا أعجبني مسلسل”وتر حساس”.. برغم الهجوم عليه؟!
الوعي الثقافي المفقود
و يترجم المثقف اللغة المعقدة إلى وعي بسيط، ويقاوم الإنحدارلا بالضجيج بل بالبصيرة.
لكن حين يغيب هذا النوع من المثقفين، تملأ الفجوة أصوات عالية فارغة، تبيع الوهم، وتخدر العقول.
و نحن بحاجة إلى قراءة أنفسنا كما نقرأ كتاباً جديداً: بفضول، وبلا أحكام مسبقة، وبإحساس بالمسؤولية.
كما نحتاج إلى أن نفهم لماذا أصبحنا أكثر توتراً، وأقل تسامحاً، وأكثر تطرفاً في تقييم كل شيء.
إذن لماذا لم نعد نحتمل نقاشاً، ولم نعد نصبر على فكرة؟؛ لأن الإجابة مرة أخرى تبدأ من وعي ثقافي مفقود،
ومن كتاب أهملناه اسمه “نحن”.
إقرأ أيضاً للكاتب : قهوة سادة على رصيف الذكريات
الولادة الجديدة للمجتمع
إن اللحظة التي نبدأ فيها بقراءة هذا الكتاب هي لحظة الولادة الجديدة للمجتمع.
والمجتمع الذى يُدرك ذاته، يُشفى من عيوبه، ويفتح الطريق نحو التقدم، ليس المطلوب أن نحفظ أسماء المفكرين بل أن نفكر.
كما أنه ليس المهم أن نعرف عدد الكتب التي طُبعت، بل عدد العقول التي أضاءت.
فالمجتمع لا يقاس بعدد المكتبات، بل بدرجة حرارة الوعي، فلنعد إلى أنفسنا نقرأها بإنصاف نراجع مفرداتنا، وسلوكياتنا.
ونكفّ عن لوم “الآخر” ونبدأ في إصلاح “الذات”، وحين نُعيد قراءة هذا الكتاب المنسي، سنفهم لماذا فشلنا في أشياء كثيرة، وسنكتشف كذلك أن النجاح يبدأ دائماً من صفحة الفهم الأولى.