بقلم الدكتور محمد فتحي عبد العال
ساحرة الصباح الناعمة توقظ الأذهان النائمة وتلطف العقول الحائرة ..وتبعث في النفس ارتياحا وانتعاشا مع رشفات رشيقة تتمنى ألا تنتهي ..
وهل لنا سوى القهوة سيدة هذه الأوصاف؟!! ..
كل هذا الحب المجتمع من حول ساحرة القلوب “القهوة”جعل العالم يخصص لها يوما عالميا في الأول من أكتوبر يتبارى فيه الناس في عرض الأنواع التي يفضلونها من القهوة، والأوقات التي ينعمون فيها بالراحة معها والطقوس التي تجمعهم بها.
المشاهير والقهوة
قال عنها الشاعر المسرحي الأمريكي “توماس ستيرنز إليوت “الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1948 م :” أقيس عمري بعدد ملاعق القهوة “…القهوة بلا شك ساحرة لكن عدد الملاعق وكثرة شربها هو لب مشاكلها الصحية المتفاقمة.
فنجد الأديب الفرنسي “أونوريه دي بلزاك” يحتسي قرابة خمسون فنجانا من القهوة فهي القوة العظمى التي تعينه على حياته البوهيمية والهرب من الديون التي أحاطت به من كل جانب فكان يسهر ليلا ممضيا وقته في الكتابة من الساعة الواحدة مساء وحتى الثامنة من صباح اليوم التالي وقيل أنه مات بتسمم الكافيين عام 1850 م عن عمر ناهز الواحد وخمسين عاما.
لا يختلف عنه في إدمان القهوة الفيلسوف الفرنسي ” فرانسوا ماري آروويه المشهور بفولتير” الذي كان يحتسي أكثر من أربعين فنجان قهوة يوميا ممزوجة بالشكولاتة لإزالة طمعها المرير ولكنه كان أسعد حظا حيث مات عام 1778 م في سن الثلاثة والثمانين عاما .
أما الملحن والموسيقارالألماني “لودفيغ فان بيتهوفن”، فكان له طقوسا غريبة مع فاكهة القهوة أو كرز القهوة حيث كان يمضي وقته في عد ستين حبة منها بالتمام والكمال لتحضير فنجانه المفضل !!.
لا للإسراف في تناول القهوة
اليقظة والانتباه والسعي نحو التركيز واعتدال المزاج ومقاومة الاكتئاب ليست أبدا مبررات منطقية للإسراف في القهوة فبحسب موقع “مايو كلينك” من الأفضل عدم تجاوز حد 400 ملجم يوميا من القهوة للبالغين وهو ما يعادل أربعة أكواب من القهوة المخمرة على ألا تزيد الكمية عن 200ملجم في المشروب الواحد مع الأخذ في الاعتبار أن أنواع القهوة ومشروبات الطاقة ليست واحدة من حيث محتواها من الكافيين فقهوة “الإسبريسو” الشهيرة.
قد يهمك أيضا : السكر فوائده وأضراره وحكاية الحمار”ديزل! (azwaaq.com)
مثلا يتراوح فيها بين 250ملجم إلى 600ملجم و700ملجم وفي بعض مشروبات الطاقة إلى 500 ملجم و600 ملجم ..أما الحد الأقصي للكافيين للحوامل والمرضعات فينبغي أن يكون أقل من 200 ملجم يوميا خشية الإصابة بتسمم الحمل وسكري الحمل والإجهاض حيث يعبر الكافيين مشيمة الأم بشكل سهل ..ومن الأجدى أيضا ألا يتناول الأطفال القهوة.
من الأمور الطريفة ترشيحات بعض الباحثين للأوقات المثلى لتناول القهوة، ولكن بلا سند وداعم علمي قوي فتأتي التوصيات بالانتظار بعد الاستيقاظ من النوم نحو ساعة ونص إلى ساعتين قبل احتساء الفنجان الأول من القهوة، وأن يكون موعد الفنجان الأخير قبل ثمان ساعات و48 دقيقة من الخلود للنوم لضمان زوال أثر الكافيين.
.
الآثار الجانبية للإفراط في القهوة
إن الآثار الجانبية للإفراط في القهوة تبدو على العكس تماما من الأهداف المنشودة منها وأحلام الحالمين معها وهذا حال الإفراط دائما ينقل المرء من المزايا إلى المضار والمخاطر ومن هذه الآثار : الصداع والصداع النصفي لقدرة الكافيين على زيادة تدفق الدم إلى المخ- الأرق وعدم القدرة على النوم- التوتر والعصبية – تسارع ضربات القلب – التبول المتكرر..من حسن الحظ أن بعضا من هذه الأعراض البسيطة هي التي ترافق التقليل من شرب الكافيين بشكل مفاجىء كالإرهاق وصعوبة التركيز والصداع ثم لا تلبث أن تزول وتتحسن الأمور بعد عدة أيام .
القهوة ومرضى السكري
من الأمور التي ينبغي الالتفات لها وأخذها بشىء من العناية والجدية هي تأثير القهوة على مرضى السكري من النوع الثاني ..فالقول بأن القهوة تحتوى على مضادات الأكسدة التي من شأنها الوقاية من مرض السكري هو قول رائع من الناحية النظرية ..لكن ماذا لو كان الذي يشربها مصابا بالفعل بمرض السكري من النوع الثاني؟ّ!!.
هنا تتضارب الدراسات بشكل مثير فبعض الأبحاث تذهب أن الكافيين يرفع مستوى السكر في الدم لدى المصابين بالمرض؛ لأنه يقلل من حساسية الأنسولين (مدى حساسية الجسم واستجابته للانسولين ) وذلك لتأثير الكافيين السلبي على النوم وما يتبع قلة النوم من قلة حساسية الأنسولين كما يرفع مستوى هرمون التوتر “الأدرينالين” وبالتالي يمنع الجسم من إنتاج الأنسولين بالدرجة التي يحتاجها الجسم ..فيما ترى بعض الأبحاث أن تأثير الكافيين على مستوى السكر في الدم يزول باعتياد الجسم على احتساء القهوة بشكل يومي منتظم …واعتقد أن الاحتراس والأخذ بالحيطة أولى في مثل هذه الأمور .
القهوة وضغط الدم المرتفع
أما المصابين بضغط الدم المرتفع فشرب كوبين من القهوة أو أكثر يضعهم في مرمى الخطر، وقد يؤدى إلى الوفاة، والأفضل الاكتفاء بكوب واحد فقط بحسب بعض الدراسات وقد يكون إضافة “الهيل” أمرا مناسب في هذه الحالة لتأثيره في خفض ضغط الدم.
من الأمور المهمة أن تضع في اعتبارك أن القهوة ليست خيارا مناسبا وقت السفر لمسافات طويلة مع قلة دورات المياه في بعض المناطق ذلك أن القهوة قد تزيد معدل ” التغوط أو التبرز” لأنها تحفز النشاط الحركي للقولون وذلك لقدرة القهوة على تحفيز إفراز هرمون الجاسترين من المعدة، مما يفسر دور القهوة في الإسهال وخروج البراز بشكل رخو، كما أن الكافيين يزيد حموضة المعدة مما يؤدي إلى انتفاخ البطن والغازات وعسر الهضم والغثيان والقىء .
نأتي لسؤال هام : هل القهوة منزوعة الكافيين يمكن أن تحل محل القهوة العادية وتحد من آثارها المحتملة على أصحاب الأمراض المزمنة؟!.
قد يهمك أيضا : زيت السمك ..الحقائق والأوهام (azwaaq.com)
القهوة الخالية من الكافيين
في وجهة نظري المتواضعة أن المتخذ القهوة منزوعة أو الخالية من الكافيين (تحتوي على أقل من ٠.٣% من الكافيين) بديلا عن القهوة التقليدية كالمستجير من الرمضاء بالنار فالقهوة منزوعة الكافيين عادة ما تحتوي على نسب عالية من الدهون التي تزيد من معدل الكوليسترول الضار مما قد يؤدي في حالة الإسراف فيها إلى أمراض القلب على عكس القهوة العادية والتي تحتوي على مضادات الأكسدة التي تقي من أمراض القلب ..كما أن استخدام كلوريد الميثيلين ( بقاياها في حدود لا تتجاوز 10 أجزاء في المليون أي 0.001٪ في القهوة منزوعة الكافيين ) كمذيب في عمليات نزع الكافيين من القهوة يشوبه بعض المخاطر حيث أن هذه المادة متهمة لدى جهات صحية عدة بالمسؤولية عن الإصابة بالسرطانات .
الدكتور محمد فتحي عبد العال (أذواق)