مع بدايات الألفية الثالثة تصاعدت الكثير من الأصوات الناقدة معلنة إنتهاء القصة القصيرة.
وفى تعبيرات أخرى “وفاة” أو”موت” لهذا الفن الرفيع من الإبداع، وذلك لحساب الرواية والتي عادت إلى الصدارة مع موجه الأدباء الشبان الذين يخاطبون أقرانهم بلغة قريبة وموضوعات مشتركة.
والحقيقة ان هذا الزعم – وإن كان صحيحاً نوعا ما- إلا أنه لا يمكن القول بأن القصة القصيرة قد ماتت أو انتهت.
إن الأمر لايعدو أن يكون مجرد توارى لفن على حساب فن آخر، تماماً مثلما حدث مع فنون أخرى كالشعر والنثر.
إقرأ أيضا للكاتب : محمد مظهر الذي لا يعرفه أحد
ولاتزال الإبداعات مستمرة
فعلى المستوى الكلي أو الإجمالي والإحصائي نستطيع أن نلمس هذا التراجع، ولكن على المستوى الدقيق فإن الأمر يختلف.
فما تزال الإبداعات مستمرة، وإن قل عددها، وما تزال الموضوعات متميزة، وماتزال المطبوعات تصدر وتباع.
القصة القصيرة … ذلك الفن الرفيع
أما على مستوى النقد الأدبي فمن المعلوم أن كتابة هذا الفن أصعب بكثير من كتابة الروايات الطويلة.
ذلك أن كاتب القصة القصيرة محكوم بعدد الصفحات، وبدرجة العمق، وأسلوب السرد.
وربما أيضاً بعمق التناول للموضوعات أيضاً؛ حيث يعين عليه إيصال الفكرة – أو الأفكار- في أقل عدد ممكن من الكلمات، ومن السطور مع المحافظة على الإمتاع والإرتقاء.
يكفي أن نطالع أعمال العظماء أمثال تشيكوف ويوسف إدريس ونجيب محفوظ وباقي عمالقة هذا الفن الرفيع. لنعرف كم هو عميق هذا الفن، وصعب ونرى كيف يمكن أن تتحول قصة قصيرة إلى عمل درامي كبير.
سواء كان ذلك فيلماً أوسهرةة تليفزيونية أو مسلسلاً متعدد الحلقات.
ذلك ببساطة لأن الفكرة ثمينة تماماً مثلما تفتح محاراً كبيراً لتعثر على لؤلؤة بحجم رأس الدبوس!.
دمج القصة القصيرة
أما على مستوى الإحصائيات الدالة فإن الأمر يصبح أكثر صعوبة.
ذلك أنه في الكثير من الحالات يتم دمج القصة بنوعيها – رواية وقصة قصية- تحت بند واحد.
فلا يمكن ببساطة التعرف على نسب الإصدار أو المبيعات لكل نوع على حدة.
مثلما هو الحال عند محاولة معرفة المجالات الأكثر إصداراً وإقبالاً، مثل الخيال العلمي أو الرواية البوليسية أو العاطفية أو أي مجال آخر.
ولكن النقاشات المثارة في اللقاءات والمنتديات والندوات و المؤتمرات تشير إلى هذا التراجع.
ولايحدث ذلك في مصر أو المنطقة العربية فحسب، بل على مستوى العالم كله.
لكن لا أدرى لماذا يحدث ذلك في عصر السرعة الذى لا يسمح للقارئ بصفاء الذهن، أو الوقت الكبير الذى تحتاجه رواية أو عمل أدبى كبير.
إقرأ أيضا للكاتب :توأم البهجة
القصة القصيرة جداً في الفضاء السيبرانى
على الجانب الآخر بعيداً عن صناع المحتوى الإبداعي وجمهور القراء، نجد أن عصر المعلومات والشبكات ومنصات التواصل الاجتماعي والتي تتكون من جمهور أغلبه لا يقرأ بالطرق التقليدية.
بل يميل إلى المنشورات القصيرة أو المقاطع المصورة وهو ما أتاح المجال فن القصة القصيرة جداً.
وهي أقصر من القصة القصيرة التقليدية، وأكثر صعوبة في الصياغة والتنفيذ، وتحتاج إلى أن يهتم بها المبدعون والنقاد.
ففي تصوري أن القصة القصيرة جداً هي الأقرب لجمهور منصات التواصل الإجتماعي.
وهي كذلك الملاذ والملجأ لبقاء الأدب والإبداع في هذا الفضاء السيبرانى شديد الإتساع.